في ظل التغيرات السياسية الكبيرة التي تشهدها سوريا بعد سنوات من الصراع الدموي، تتزايد الدعوات الدولية والمحلية لتحقيق العدالة الانتقالية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت أثناء النزاع. بينما تطرح التساؤلات حول مستقبل النظام القضائي في سوريا، يتفق العديد من الخبراء على ضرورة أن يكون الانتقال نحو العدالة قائماً على أسس قانونية شاملة وشفافة تضمن محاكمة عادلة لجميع الأطراف المتورطة، دون الوقوع في فخ الانتقام أو التمييز.
المبعوث الأممي إلى سوريا، في تصريحات صحفية، أكد على أن تحقيق العدالة في البلاد يجب أن يكون عملية موثوقة، تتم عبر نظام قضائي شفاف ومستقل. وأضاف أن العدالة يجب أن تُنفذ بآليات تضمن عدم الانزلاق نحو الانتقام، بما يساعد على بناء مستقبل مستقر وآمن لسوريا بعد سنوات من الدمار والصراع.
في الوقت ذاته، تعرضت بعض مقاطع الفيديو التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي لاعتداءات وتعذيب ضد من يُقال إنهم من أتباع النظام السوري، مما أثار تساؤلات عميقة حول آليات النظام القضائي الذي قد يتم تطبيقه في المستقبل. وأصبحت مسألة ضمانات العدالة تحتل حيزاً مهماً في نقاشات التغيير السياسي في البلاد.
أستاذ القانون الدولي، بول مرقص، أكد في حديثه لبرنامج "غرفة الأخبار" على قناة "سكاي نيوز عربية" على أهمية تجنب أي شكل من أشكال الانتقام الفردي أو الجماعي ضد أركان النظام السوري السابق. واعتبر مرقص أن تحقيق العدالة الانتقالية يتطلب محاكمات مؤسسية تحقق العدالة وتحترم مبادئ المحاكمة العادلة، مع ضمان الشفافية والمساواة أمام القانون.
وأشار مرقص إلى أن خطوة أخرى حاسمة لتحقيق العدالة هي بناء بنية قضائية موثوقة وقوية في سوريا، قادرة على مواجهة التحديات القانونية المتزايدة التي قد تنشأ في المستقبل. وذكر أنه يجب أن تكون هذه المحاكمات علنية، مع احترام حقوق المتقاضين، وضمان أن تكون إجراءات المحاكمات شفافة ونزيهة.
من بين التحديات الكبرى التي يواجهها النظام القضائي السوري هو مستوى الفساد المستشري في المؤسسات القضائية. وأكد مرقص أن أحد أولويات العدالة في سوريا هو مكافحة الفساد بشكل جذري، مع توفير بيئة ملائمة لتقديم القضايا بشكل علني وشفاف. وأضاف أن العدالة يجب أن تكون قادرة على محاكمة أي فرد بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الديني أو نفوذه، وهو ما يشمل محاكمة مسؤولين من النظام السوري السابق.
كما دعا مرقص إلى تعزيز البنية اللوجستية والتقنية للقضاء، من خلال توفير تقنيات حديثة للأرشفة وإصدار الأحكام، بالإضافة إلى ضرورة تدريب القضاة على مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. ورأى أن الانخراط في عملية تحديث شامل للقضاء السوري سيسهم في إعادة الثقة في النظام القضائي في البلاد.
مع تزايد الاهتمام الدولي بقضية العدالة في سوريا، أشار مرقص إلى أهمية أن تنضم سوريا إلى "نظام روما" الذي أوجد المحكمة الجنائية الدولية. وأوضح أن الجرائم التي ارتكبت منذ عام 1992 لا تسقط بالتقادم، ما يعني أن المحاكم الدولية قد تكون الخيار الأنسب لمحاكمة بعض القضايا، لكنه أضاف أن المحكمة المحلية تبقى الخيار الأفضل لسوريا، حيث يمكن أن يعكس القضاء المحلي تطلعات الشعب السوري ويقدم حلاً أكثر شمولية.
أشار مرقص إلى التحديات الكبرى في عمليات التحقيق والمحاكمة في سوريا، والتي تحتاج إلى دعم من المجتمع الدولي على عدة مستويات. وأضاف أنه من الضروري أن يتم تعزيز الشفافية في التحقيقات بحيث لا يتم التلاعب بالأدلة، بالإضافة إلى ضرورة توفير الحماية للمبلغين عن الفساد والجرائم، إذ أن هؤلاء قد يتعرضون للتهديدات أو الانتقام.
ورغم ذلك، أصر مرقص على أن المحاكم المحلية يجب أن تتحمل مسؤولية المحاكمة، مشيراً إلى أن العدالة يجب أن تتحقق من خلال مؤسسات قادرة على تقديم محاكمات منصفة لكل السوريين. كما دعا إلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص لتحسين ظروف عمل القضاة، سواء من الناحية المادية أو المعنوية، لضمان أن أحكامهم ستكون عادلة وقائمة على أسس قانونية سليمة.
أكد مرقص أن بداية مسار العدالة الانتقالية في سوريا يجب أن يتوازى مع عملية التغيير السياسي والانتخابات المقبلة. وأن هذه العملية يجب أن تشمل الحكومة الجديدة وأعضاء البرلمان المنتخبين الذين يجب أن يسهموا في بناء نظام قضائي قوي ومستقل.
ختاماً، أكد مرقص على أن العدالة الانتقالية في سوريا لا يجب أن تكون مجرد رد فعل على ما وقع في الماضي، بل يجب أن تكون جزءاً من بناء مستقبل أفضل لسوريا، حيث يتساوى جميع السوريين في حقوقهم أمام القانون، ويتم تحقيق محاكمات عادلة وشفافة تستند إلى أسس حقوق الإنسان والديمقراطية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News