دخلت سوريا مرحلة مفصلية جديدة في تاريخ أزمتها، مع تضارب مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين وسعيهم لتثبيت وتوسيع نفوذهم بشكل أكبر، بينما تحاول الإدارة السورية الجديدة كسب الشرعية الدولية، رفع العقوبات، وبناء مؤسسات الدولة وترميم الصالح منها، بعد سقوط نظام الأسد البائد مطلع شهر كانون الأول الماضي.
يدور الحديث في الأوساط الإعلامية التحليلية عن الصراع غير المعلن بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا على النفوذ والمصالح في سوريا، حيث تقف الدولتان أمام استحقاقات سياسية وأمنية معقدة في مناطق شرق الفرات، حيث تتمركز قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي لطالما كانت محور الخلاف بين أنقرة وواشنطن.
وفي حين تقول تركيا إن هذه القوات تشكل تهديدًا لأمنها القومي باعتبارها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعًا مسلحًا ضد الدولة التركية منذ أكثر من 40 عامًا، تعتبر الولايات المتحدة هذه القوات شريكًا أساسيًا في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم الخلافات العميقة حول مصير القوات الكردية ومستقبل النفوذ في سوريا، تسعى الدولتان للحفاظ على توازن علاقاتهما.
وفي هذا السياق، كشفت وسائل إعلام تركية، الأربعاء، أن تركيا ستكون المحطة الخارجية الأولى لقائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، مشيرة إلى أن الزيارة ستتم في الأيام المقبلة. وذكرت مصادر مقربة من القيادة السورية الجديدة أن الزيارة تهدف إلى إيجاد صيغة مشتركة للتعامل مع التطورات الأخيرة في سوريا، والسياسات الأميركية المستجدة المتعلقة بها.
اللافت أن الولايات المتحدة لم ترفع العقوبات بشكل كامل عن سوريا، وعلى الرغم من المطالبات برفع هذه العقوبات، أعلنت واشنطن عن رفع جزئي لها لمدة 6 أشهر، بهدف تسهيل حياة السكان في سوريا. ومع ذلك، حافظت الولايات المتحدة على العقوبات كورقة ضغط على السلطات السورية الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، لم تقم الإدارة الأميركية بمنع التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، الذي يخالف القوانين والأعراف الدولية، مما يجعلها مساندة لتل أبيب في اقتطاع مناطق جديدة من سوريا وضمها إلى إسرائيل.
من جانبها، تحاول تركيا التخلص بشكل كامل من التهديد "الكردي" في الشمال الشرقي لسوريا، وتحشد العتاد والموارد لذلك. كما أنها تسعى لاستمالة الجيش السوري بشكله الجديد للقتال بجانبها. وفي هذا السياق، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد اجتماع لمجلس الوزراء في أنقرة بشن عملية جديدة عبر الحدود داخل سوريا ضد الفصائل المسلحة الكردية. وقال: "إن شاء الله لدينا القدرة على القيام بذلك. وعلى الجميع تقدير حساباتهم على هذا الأساس".
يأتي ذلك في وقت لا تزال فيه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من التنظيمات الكردية يسيطرون على سوريا "المفيدة"، بما تحويه من حقول نفطية وثروات غذائية ومائية. هذه الثروات التي لن تستطيع تركيا تعويضها بالشكل المطلوب، نظرًا للضوائق الاقتصادية التي تعاني منها، مع الأخذ في الاعتبار توقف النفط الإيراني عن التدفق إلى سوريا منذ سقوط نظام الأسد.
يرى العديد من المراقبين أن الإدارة السورية الجديدة تتجه نحو منحدر خطير مع تزايد الصراع الخفي بين واشنطن وأنقرة في سوريا، وممارسة كل طرف الضغط على منظومة سياسية وأمنية واقتصادية متهالكة خلفتها الأزمة السورية.
وبحسب المحلل السياسي محمد الكريم، يرى أن أحمد الشرع يجد في تقاربه مع روسيا حلًا لهذه المعضلة، من خلال حديثه المطمئن لروسيا عن قواعدها العسكرية، ووصفه للعلاقات الاستراتيجية بالقديمة. خصوصًا أن روسيا تعتبر لاعبًا رئيسيًا في سوريا، مما من شأنه أن يحفظ توازنًا هامًا للقوى.
وأضاف الكريم أن الاعتماد على تركيا فقط لن يضمن للحكومة السورية "الشرعية الدولية"، وسيجرها إلى سجال مع أميركا، التي يمكنها تقسيم سوريا بمواصلة دعمها للأكراد شرقي الفرات، فضلاً عن ضرب الاقتصاد السوري بالامتناع عن رفع العقوبات، واستمرار سيطرتها على الحقول النفطية الرئيسية في البلاد.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News