بعد واقعة استهداف المسعفين في قطاع غزة قبل يومين، أفاد جنود إسرائيليون بتفاصيل مروعة حول الأساليب التي اتبعتها القوات الإسرائيلية لإنشاء ما وصفوها بـ "منطقة قتل" حول غزة، عبر تدمير الأراضي الزراعية وإخلاء أحياء سكنية بالكامل.
في تقرير جديد صادر عن منظمة "كسر الصمت" الحقوقية الإسرائيلية، استندت المنظمة إلى شهادات جنود خدموا في غزة وشاركوا في عملية المنطقة العازلة. وفقًا للتقرير، تم توسيع المنطقة العازلة لتصبح بعمق يتراوح بين 800 و1500 متر داخل القطاع، وذلك بحلول كانون الأول 2024، مع استمرار القوات الإسرائيلية في توسيعها منذ ذلك الحين.
وأشار التقرير إلى شهادة أحد القادة في سلاح المدرعات الإسرائيلي، الذي قال: "الخط الحدودي هو منطقة قتل.. أرض منخفضة... لدينا رؤية شاملة لها.. وهم كذلك".
وذكر الجنود الإسرائيليون الذين خدموا في غزة أواخر 2023 وأوائل 2024 أن القوات الإسرائيلية استخدمت في المراحل الأولى من العملية الجرافات والحفارات الثقيلة، إلى جانب آلاف الألغام والمتفجرات، لتدمير حوالي 3500 مبنى. كما تم تدمير أراضٍ زراعية ومناطق صناعية كان من الممكن أن تلعب دورًا في إعادة الإعمار بعد الحرب. وكشفت منظمة "جيشاة-مسلك" الحقوقية الإسرائيلية في تقرير منفصل أن نحو 35% من الأراضي الزراعية في غزة تم تدميرها، معظمها في أطراف القطاع.
وقال أحد الجنود الاحتياط الذين خدموا في سلاح المدرعات الإسرائيلي: "في الواقع، كنا نأتي على الأخضر واليابس.. كل شيء... كل مبنى وكل منشأة". فيما أضاف جندي آخر أن المنطقة بدت "مثل هيروشيما".
من جانبها، أوضحت منظمة "كسر الصمت" أنها تحدثت إلى جنود شاركوا في عملية الخط الحدودي، ونقلت شهاداتهم دون ذكر أسمائهم. كما وصف أحد الجنود من وحدة الهندسة القتالية صدمته بعد رؤية الدمار الذي خلفه القصف الأولي للمنطقة الشمالية من قطاع غزة عندما أُرسلت وحدته لأول مرة لتنفيذ عملية "التطهير".
وقال الجندي: "كان الأمر يتخطى حدود الواقع، حتى قبل أن ندمر المنازل عندما دخلنا. كان يبدو غير واقعي، كما لو كنت في فيلم"، مضيفًا: "ما رأيته هناك، حسبما بدا لي، كان يتجاوز ما أستطيع تبريره إذا احتجت لفعل ذلك. الأمر يتعلق بمدى تناسب ذلك مع الواقع".
كما تحدث الجنود الإسرائيليون عن تجريف الأراضي الزراعية في القطاع، بما في ذلك أشجار الزيتون وحقول الباذنجان، إلى جانب تدمير مناطق صناعية تشمل مصنع كوكاكولا وشركة للصناعات الدوائية. وفي هذا السياق، ذكر أحد الجنود: "منطقة صناعية ضخمة ومصانع كبيرة تحولت إلى مجرد كومة من الركام والخرسانة المحطمة".
وأضاف التقرير أن الجيش الإسرائيلي اعتبر أن العديد من المباني المدمرة كانت تستخدمها حركة حماس، لكن تم تدمير منشآت أخرى كثيرة لا علاقة لها بأي نشاط حربي أو مقاوم. كما تم منع الفلسطينيين من دخول المنطقة العازلة، وكان الجيش الإسرائيلي يطلق النار عليهم إذا حاولوا الاقتراب.
ونقل التقرير عن جنود قولهم إن قواعد الاشتباك كانت فضفاضة وتعتمد بشكل كبير على القادة الميدانيين. وأوضح أحد الجنود: "يتخذ قادة السرايا قرارات متنوعة بهذا الشأن، لذا فالأمر في النهاية يعتمد على شخصياتهم. لكن لا يوجد نظام للمساءلة عموماً". وأضاف جندي آخر أنه في معظم الأحيان، كان الذكور البالغون الذين شوهدوا في المنطقة العازلة يُقتَلون، في حين كانت نيران تحذيرية تُطلق على النساء والأطفال. وقال: "في معظم الأحيان، كان الأشخاص الذين يدخلون المنطقة العازلة من البالغين. أما الأطفال والنساء فلم يدخلوا المنطقة".
تسببت العملية العسكرية الإسرائيلية حتى الآن في استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني وفقًا للسلطات الصحية في غزة، كما أسفر القصف عن تدمير مساحات شاسعة من القطاع. وقد أدت هذه العمليات إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين اضطروا للإقامة في خيام أو في عقارات تضررت بفعل القذائف.