وفي هذا الإطار رأى الكاتب والمحلل السياسي فادي أبو دية في حديث الى "ليبانون ديبايت" أن تناول الملف اللبناني في القمة الاميركية الخليجية بغياب لبنان ليس جديدًا، بل هو امتداد لنهج بدأ مع اللجنة الخماسية التي سبق أن حددت مصير لبنان على أكثر من مستوى: رئاسة الجمهورية، تشكيل الحكومة، مواصفات الوزراء، وحتى التعيينات الإدارية.
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس اليوم ما يشبه “الميكرو إدارة” في لبنان، أي التدخل في أدق التفاصيل الإدارية والوظيفية داخل مختلف إدارات الدولة، وذلك في محاولة واضحة لإحكام السيطرة على مفاصل القرار اللبناني.
ورأى أن هذه المعطيات تضع لبنان في صلب التحولات الإقليمية، وتجعل من التدخلات الخارجية عاملاً حاسمًا في تحديد مستقبله، وسط غياب واضح للمشهد الوطني الموحد.
وأكد ما نشهده اليوم هو رغبة أمريكية واضحة في تلزيم الملف اللبناني إلى المملكة العربية السعودية، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضًا على المستويات الاقتصادية والإدارية وسائر مفاصل الدولة. وأوضح أن هذا التلزيم لا يجري من دون إشراف، بل يتم ضمن رعاية وتنسيق أمريكي مباشر، ومع أطراف دولية أخرى.
ولفت في هذا الإطار الى أن الدور الفرنسي بات اليوم مرتبطًا بشكل مباشر بمدى التوافق السعودي–الأمريكي، أي أن قدرة فرنسا على التحرك أو التأثير في الملف اللبناني لم تعد قائمة بذاتها، بل أصبحت مشروطة بتفاهم الدولتين الأساسيتين: واشنطن والرياض.
ورأى أن ملف لبنان بات مرتبطًا بشكل مباشر بالمملكة العربية السعودية، التي دخلت بقوة على ملفات أساسية كـ رئاسة الجمهورية، تشكيل الحكومة، والتعيينات الإدارية، وذلك تحت غطاء أمريكي واضح.
وأكد أبو ديا أن اليد الطولى التي تسعى إليها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي لا تزال تؤثر على السياسة الأميركية حاليًا، هي يد المملكة العربية السعودية في لبنان، موضحًا أن أي انفراجة اقتصادية أو سياسية في لبنان، لا يمكن أن تتحقق من دون قبول سعودي مسبق. وأوضح أن المملكة هي من يمسك بمفتاح إطلاق العملية الاقتصادية والانفتاح الدولي على لبنان، بما في ذلك رفع الحظر عن السفر من بعض الدول إليه.
وأضاف: “كنّا سابقًا أمام مشهد من التلزيم متعدد الأطراف، تلزيم لخمس دول عُرفت باسم اللجنة الخماسية. أما اليوم، فنحن أمام تلزيم موحّد ومباشر للسعودية، ضمن الإطار والرعاية الأمريكية”.
ورغم ذلك، شدّد أبو ديا على أن هذا التلزيم ليس تسليمًا كاملًا أو شيكًا على بياض، بل يخضع لتقدير الولايات المتحدة في كل تفصيل. فحين تدرس واشنطن أي ملف اقتصادي، تنظر أولًا إلى موقف الرياض: هل توافق أم لا؟. والأمر نفسه ينطبق على تشكيل الحكومة، والموقف من شخصيات مرشحة للمناصب، والخطط الإنقاذية المطروحة. وبهذا، يتحول كل تفصيل لبناني إلى نقطة اختبار في التنسيق السعودي–الأمريكي.
وفي سؤال حول ما إذا كان هذا النفوذ السعودي في لبنان سيتقاطع مع انفتاح محتمل على حزب الله، رأى أبو ديا أن هذا السؤال جوهري، وذكّر بمحاولات عدة حصلت في الفترات الماضية للتقارب، خاصة بعد اتفاق بكين بين إيران والسعودية. وأشار إلى أن المملكة اجتازت في بعض اللحظات عدداً من الحواجز النفسية والسياسية التي كانت تعرقل هذا الانفتاح.
واستشهد بمحطة مهمة حصلت مؤخرًا، خلال تقديم التعازي في السفارة الإيرانية باستشهاد الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، حيث جلس القيادي في حزب الله السيد عمار الموسوي إلى جانب السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وتبادلا أطراف الحديث، وشكل هذا المشهد كسرًا لبعض الحواجز الصلبة التي كانت قائمة.
لكن رغم ذلك، رأى أبو ديا أن هذه المسألة لا تزال تحتاج إلى وقت وترتيبات دقيقة، خاصة أن المملكة ما زالت تُدرج حزب الله على لوائح الإرهاب، الأمر الذي يُعد تناقضًا مع فكرة الانفتاح، ويطرح تساؤلات حول إمكان التلاقي في ظل هذا التصنيف.
وكشف أنه بالنسبة لحزب الله، وكما سمع واستنتج، فإن النقاش في قواعد الانفتاح والتلاقي مرحّب به من حيث المبدأ، ولكن ذلك يبقى رهن المبادرات الجدية التي قد تُطرح في وقتها، وليس بناء على افتراضات أو مجاملات سياسية ظرفية”
أما فيما يتعلق بالدور الايراني لتقريب وجهات النظر بين الطرفين فإعتبر أن الجمهورية الايرانية قد تكون جزءًا من هذه المساعي سواء بشكل مباشر أو في إطار المساعي الإقليمية الأشمل التي تُبذل في محاولة لخفض التوتر أو إعادة ترتيب العلاقات بين مختلف الأطراف، ولفت إلى أن هذه المساعي، رغم جديتها في بعض الأحيان، تظل محكومة بالمعطى الأهم: طبيعة العلاقة بين السعودية وحزب الله.
وقال أبو ديا: “نعم، قد تكون هناك محاولات ومساعٍ، وربما تتحرك في هذا الاتجاه، ولكن في النهاية، نحن أمام معضلة مركزية: كيف يمكن فتح حوار مباشر أو حتى غير مباشر مع جهة تُصنّفها المملكة العربية السعودية كمنظمة إرهابية؟ ما هو نوع الحوار الممكن؟ وما هي حدوده؟”. وأكد أن الإجابة قد تكون: “نعم، ممكن أن يكون هناك تواصل، ولكن هل يمكن لهذا التواصل أن يؤسس لشيء فعلي؟ هذا أمر مشكوك فيه حتى اللحظة”.
وغياب الخطوط المباشرة لا يعني ،برأيه، انقطاع الاتصال تمامًا، موضحًا أن “حتى في أقسى لحظات التصعيد، تبقى هناك خطوط خلفية أو قنوات غير مباشرة قائمة، تتولى إيصال الرسائل أو إجراء مقاربات محدودة، وهذا أمر طبيعي في العمل الدبلوماسي والسياسي، خصوصًا في منطقة معقّدة كمنطقتنا".
وعن احتمال ان يفتح تجاوب حزب الله مع الدعوة لتسليم السلاحباباً للانفتاح على المملكة ، شدّد أبو ديةعلى أن حزب الله لن يتجاوب مع أي دعوات لنزع السلاح في الظروف الحالية، وقال بوضوح: "لا، لن يتجاوب. أكيد لن يتجاوب، إلا عندما يصبح لبنان بلدًا محرّرًا من الاحتلال الإسرائيلي، بلدًا يمتلك سيادته الكاملة على أرضه، وبلدًا لا تهدده اعتداءات خارجية بشكل دائم".
وأوضح أن وجود السلاح ليس خيارًا منعزلاً أو ترفًا سياسيًا، بل هو مرتبط عضوياً باستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأرض اللبنانية.
وردًا على الأصوات التي تقول إن السلاح فقد جدواه في ظل التقدم التكنولوجي العسكري الهائل في المنطقة، علّق أبو ديا: "هؤلاء الأشخاص أنفسهم كانوا منذ البداية يرفضون فكرة المقاومة، ولا يرون مشكلة في الدخول إلى إسرائيل أو التنسيق معها، رافضاً منطق الإنكار بأن هذا السلاح هو الذي حمى لبنان منذ الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 حتى اليوم، وهو الذي وفّر مظلة ردع جدية، وهو الذي أجبر إسرائيل على إعادة حساباتها عند كل خطوة كانت تحاول تنفيذها في لبنان".
وأشار إلى أن تعرض حزب الله لضربات هنا أو هناك لا يعني أن فعالية سلاحه قد انتهت، وقال:"من يريد أن يحافظ على بلده، عليه أن يعيد ترميم قدراته الدفاعية، لا أن يتخلى عنها. وهذا ما فعله حزب الله بالفعل، وقد رمّم قوته، وإسرائيل تعلم ذلك جيدًا، بل وتخشاه".
وختم أبو دية بالتأكيد على أن حزب الله اعاد ترميم قوته واسرائيل تعلم ذلك، وهو ما يجعلها في حالة تردد دائم قبل اتخاذ أي خطوة عسكرية واسعة النطاق تجاه لبنان.