"ليبانون ديبايت" - هادي بو شعيا
يبدو أن إنهاء الحرب في أوكرانيا بات يحتاج إلى نوع من المباركة الدينية، إذ وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإجراء مفاوضات فورية بشأن وقف إطلاق النار في الفاتيكان على إثر محادثته الهاتفية التي استمرت لساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي حال دخل البابا ليو الرابع عشر على خط السلام بين كييف وموسكو فإن الأمر سيكون بمثابة حدث عاملي ضخم. فهل يصبح الحبر الأعظم الآن صانع سلام أم ترامب نفسه؟
المعطى الأول أن البابا الجديد هو أول بابا من أصل أميركي ينتخب عبر التاريخ ما يطرح تساؤلاً حول تحوّل الفاتيكان إلى أداة سياسية بيد ترامب؟!
للوهلة الأولى، قد يظن البعض أن ذلك صحيحًا ولكن ليس بشكل مباشر، خصوصًا أن الفاتيكان مرجعية روحية ودينية عالمية تنادي بإحلال السلام وإنهاء الحروب ومراعاة حق الإنسان بالحياة.
أما مسألة إعتماد الفاتيكان كوجهة لانطلاق المفاوضات أو المحادثات الأوكرانية-الروسية، إنما تحمل دلالات كثيرة أبرزها تغيّر الخطاب الأميركي أو بمعنى أدق تبنّي ترامب لاقتراح بوتين، ذلك أن الموقف الأميركي، قبيل الاتصال بين ترامب وبوتين، كان منسجمًا مع الموقف الأوكراني ومن خلفه الأوروبي وإن كان المضمون مختلفًا، حيث كانت الدعوة الأميركية تبدأ بوقف إطلاق النار لفترة 30 يومًا لتبدأ عملية المفاوضات؛ إلا أن بعد مكالمة ترامب-بوتين تغيّر موقف ترامب لا بل تبنّى المعادلة الروسية والقاضية بانطلاق المفاوضات إلى حين التوصل إلى وقف إطلاق النار.
وعلى إثر ذلك، بلّغ ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأوروبيين بأن المفاوضات سوف تجري على الفور حتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أي بعبارة أخرى لم يقل ترامب صراحةً بأنه يحمل أو يتبنّى اقتراح بوتين ومدى انسجامه مع ما كان يريده الأميركي والأوكراني والأوروبي من وقف إطلاق نار فوري ومن بعده تأتي المفاوضات، ولعلّ اختيار الفاتيكان يضفي طابعًا وختمًا دينيين وأخلاقيين، حتى لو لم يكن في صالح أوكرانيا والأوروبيين.
إذا باختصار، سارع ترامب لتأطير التحوّل الذي جرى من خلال اختيار الفاتيكان، متجاوزًا بذلك الاعتبارات السياسية والسيادية لأوكرانيا سواء بعد قضم روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014 والأقاليم الأربعة التي باتت تخضع للسيادة الروسية منذ 2022 وهي لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون.
أمام هذا الواقع الذي يسود اليوم، لا بد من التذكير بأن دولاً أوروبية كثيرة عبر التاريخ خاضت صراعًا شرسًا وداميًا للتخلص من سلطة الكنيسة على القرار السياسي ما يطرح علامات استفهام حول كيفية الرجوع إلى أمر مماثل حتى لو كان بشكل رمزي؟ فألا يهدد ذلك القيم الديمقراطية التي أرستها أوروبا؟
في حقيقة الأمر، لا يوجد في الولايات المتحدة الأميركية ما يقابل التجربة الأوروبية مع الكنيسة وحتى الخطاب الديني لدى ترامب لا يخرج عن المعتاد في السياسة الأميركية على مدى عقود، صحيح أن هناك من يتحفظ على أصل الفصل بين الدولة والكنيسة، ولكن حتى اللحظة لا يوجد مؤشر يشي بتبدّل موقف ترامب باتجاه منحى ديني.
بيد أن من يعتقد أو يحاول التسويق لترامب بأنه رجل سلام من خلال إعلان حزنه على عدد القتلى والدمار الناتج عن طرفي النزاع في كل من روسيا وأوكرانيا ليته يعي تجاهل ساكن البيت الأبيض لما يحصل في فلسطين من تجويع وتعطيش والمقتلة التي تمارس بحق الغزاويين من قبل إسرائيل بتمكين وتمويل وتسليح ومباركة أميركية، ويسابق لإيجاد الحلول البرّاقة والخلّاقة بتجاوز حقوقهم الطبيعية.
في المحصلة، قد يرحّب البعض وربما الكثير بموقف ترامب حيال الحرب في أوكرانيا إلا أنه يبقى منقوصًا وملتبسًا ويبقى مبنيًا على ازدواجية معايير فما لا يجوز في أوكرانيا يُحلّل له في فلسطين، بينما يبقي على الدعوة إلى تهجير سكان القطاع إلى الصومال أو ليبيا أو جنوب السودان دون اي حقوق واعتبارات حتى يبقوا فقط على قيد الحياة!