رغم تشديد الرقابة السياسية والأمنية في عدد من الدول الأوروبية، أظهر الاجتماع الأخير لمجلس الدفاع الفرنسي، الذي ترأسه الرئيس إيمانويل ماكرون، تنامي القلق داخل دوائر الحكم في باريس من تمدّد نفوذ جماعة الإخوان، لا سيما داخل بعض المؤسسات الحكومية.
ووفق ما أفادت صحيفة "بوليتيكو"، ناقش المجلس تقريرًا مشتركًا أعدّته وزارات وهيئات أمنية واستخباراتية فرنسية، تضمن معطيات مقلقة حول أنشطة الجماعة، سواء العلنية منها أو التي تُدار بعيدًا عن الأنظار، وسط تحذيرات من تأثير هذه التحركات على تماسك المجتمع الفرنسي.
ويخشى المسؤولون الفرنسيون من استغلال جماعة الإخوان لهوامش حرية التعبير والتعددية الدينية في فرنسا، لبناء نفوذ تدريجي والتغلغل بصمت داخل المؤسسات، مستفيدة من الثغرات القانونية والثقافية في المجتمعات الأوروبية.
وأشار التقرير إلى أن منظمات أوروبية مرتبطة بجماعة الإخوان تمارس أنشطة ضغط منظمة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بهدف نشر أجندتها الفكرية. كما كشف أن أفرادًا من الحلقة الضيقة للجماعة يشغلون مناصب في مجلس المسلمين والأوروبيين، ويُستخدم هذا المنتدى كمنصة تدريب لكوادر الجماعة.
من جهته، اعتبر المعتصم الكيلاني، المتخصص في القانون الدولي، أن الاتجاه الفرنسي ضد جماعة الإخوان ينسجم مع مواقف مشابهة تتخذها دول أوروبية أخرى، مثل ألمانيا والنمسا، التي أبدت قلقًا من تأثير الجماعة على القيم الديمقراطية والوحدة الاجتماعية.
ولفت الكيلاني، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن فرنسا لم تعلن حتى الساعة حظرًا شاملًا للجماعة، إلا أن التوجه الرسمي يشير إلى احتمال اتخاذ إجراءات أكثر تشددًا، خصوصًا في ظل تنامي الضغط السياسي من اليمين المتطرف.
ورأى أن أي تدابير مرتقبة تهدف إلى "تعزيز الأمن الداخلي عبر الحد من التأثير الأيديولوجي الذي يُعتقد أنه يهدد قيم الجمهورية"، لكنه حذّر من أن هذه الإجراءات قد تُفسَّر من قبل بعض المواطنين المسلمين على أنها استهداف غير عادل، ما قد يفاقم التوترات الاجتماعية.
بدوره، رأى جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والدراسات الاستخباراتية، أن الخطوات التي يتخذها ماكرون تُعد تمهيدًا لحظر محتمل وشامل للجماعة داخل فرنسا، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات ليست جديدة، بل تُشكّل امتدادًا لما بدأته باريس منذ عام 2022 في سياق مواجهة تيارات الإسلام السياسي.
وأوضح محمد أن الإجراءات الفرنسية لا تستهدف الجماعة ككيان فقط، بل تشمل الجمعيات والمنظمات المرتبطة بها، لكنه نبّه إلى أن الجماعة قد تلجأ إلى النشاط السري، ما يُشكل تحديًا إضافيًا أمام أجهزة الأمن والاستخبارات الفرنسية.
واعتبر أن ما تشهده فرنسا يُمثل تحولًا نوعيًا في أسلوب تعامل الدولة مع جماعة الإخوان، ضمن استراتيجية أمنية أوسع تستهدف تفكيك بنية التنظيم داخل المجتمعات الغربية.
وحذّر محمد من أن الإجراءات الفرنسية ستُختبر في قدرتها على حفظ الأمن المجتمعي، لا سيما أن الجماعة تستفيد من التجمعات والمناسبات الدينية والسياسية لتوسيع نفوذها. كما أشار إلى أن النزاعات الإقليمية، وعلى رأسها حرب غزة، قد تُشكّل أرضًا خصبة لنمو هذه الأنشطة داخل أوروبا.