تداولت تقارير غربية وتحليلات عدة منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وحتى اليوم، حول أسباب فشل الجيش السوري في صد هجوم متواضع شنه المسلحون على مدينة حلب في كانون الأول.
ذهب البعض إلى وصف الأمر بأنه لا يمكن تفسيره، وأكدوا أن القوة العسكرية للمعارضة واستخدامها للطائرات المسيرة كان لهما دور في ذلك، إلا أنهما لم يكونا وحدهما كافيين.
فقد استعاد الجيش السوري سابقاً مساحات واسعة من المعارضة، وبحلول صيف 2024، سيطرت حكومة الأسد على ثلثي البلاد، لكن وراء الانهيار المفاجئ الذي حصل، ثمة أسباب أعمق وأخطر من مجرد هزيمة ميدانية أو عجز لوجستي.
في مقابلة مع شبكة "نيولاينز"، كشف ضابط رفيع المستوى عن تفاصيل تُعد مفتاحاً لفهم انهيار النظام من زاوية مختلفة، إذ لم يكن السبب فقط في ضعف القتال، بل في حرب إلكترونية صامتة، استخدمت فيها تقنيات حديثة لتحويل الهواتف الذكية داخل الجيش إلى أدوات فتاكة.
في شباط 2020، تسبب هاتف محمول تركه جندي سوري داخل مركبة دفاع جوي روسية الصنع من طراز بانتسير-إس1 في كشف موقعها للقوات الإسرائيلية التي شنّت ضربة جوية مدمرة، أدت إلى خسائر كبيرة للنظام. كشف فاليري سلوغين، كبير مصممي نظام بانتسير، أن هذا الخطأ الأمني كان كارثياً، وسبب تدمير منظومة دفاعية مهمة.
وبالرغم من أن البروتوكولات الأمنية كانت واضحة بضرورة إيقاف أجهزة الاتصال وتغيير المواقع، إلا أن الجيش السوري تجاهل هذه التعليمات، مما سهّل المهمة على العدو.
بعد ذلك، وفي خضم الانهيار، توقف الجيش السوري بشكل مفاجئ عن القتال خلال تقدم قوات المعارضة على حلب وريف إدلب، واكتفت الوحدات بمراقبة التقدم دون مقاومة فعالة.
إضافة لذلك، فقد تفاقم انهيار الجيش بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي عصفت بالبلاد، إذ تحولت رواتب الجنود والضباط إلى مزحة، بالكاد تغطي ثمن لقمة العيش، مما قلل الدافع القتالي إلى حد كبير.
تعمّق الانهيار مع تدهور معنويات القوات، وتحول الكثير منهم إلى مهربين أو متورطين في أنشطة غير عسكرية، بينما كان النظام يتمسك بالسلطة بلا هوادة، رافضاً أي حلول براغماتية.
وفي صيف 2024، انتشر تطبيق جوال بين ضباط الجيش، تحت اسم "الأمانة السورية للتنمية" STFD-686، زُعم أنه مبادرة إنسانية برعاية زوجة الرئيس بشار الأسد، وُزع عبر قناة تليغرام بنفس الاسم.
لكن الحقيقة كانت أن التطبيق كان فخاً إلكترونياً خطيراً. إذ جمع التطبيق بيانات شخصية وعسكرية دقيقة من الضباط، كرتبهم، مواقعهم، مواقع وحداتهم، مما ساعد في رسم خرائط تفصيلية تحوي ثغرات الجيش ومعاقل قواته.
كما ضم التطبيق روابط تصيد سرّبت بيانات حسابات التواصل الاجتماعي، تلتها مرحلة زرع برنامج تجسس متطور يسمى SpyMax، والذي يُمكنه اختراق هواتف الضباط بالكامل، مراقبة مكالماتهم، تسجيل المحادثات، والتجسس على تحركاتهم، وحتى الوصول للكاميرا والميكروفون في الوقت الحقيقي.
واستغل القراصنة برامج قديمة تعمل على أجهزة الضباط، مما وسع نطاق الخطر.
تم توجيه البيانات المسروقة عبر خوادم مجهولة الهوية، ما جعل تتبع مصدر الهجوم شبه مستحيل.
كشف التقرير أن هذه الحرب السيبرانية المدمرة استُعدّت قبل أشهر من بدء معركة المعارضة على حلب، وساهمت بشكل كبير في انهيار النظام العسكري، من خلال اختراق وتهديد حتى أكثر وحدات الجيش النظامية تدريباً.