الأنباء عن احتمال استبدال أورتاغوس فتحت الباب أمام تساؤلات تتجاوز مسألة التبديل الروتيني أو الشخصي. فالتحولات في الطاقم الأميركي المعني بالشرق الأوسط غالباً ما تعكس تغيّرات في السياسات.
منذ تعيينها، مثّلت أورتاغوس خطاباً هجومياً صريحاً ضد حزب الله، وكانت أداة طيّعة للضغط على الدولة اللبنانية وترهيبها. لكن رمزية حضورها تخطّت مضمون تحركاتها، لتُصبح واجهةً لنمط أميركي جديد أكثر صدامية وأقل دبلوماسية. هذا ما جذب بعض الأوساط السياسية والإعلامية، التي رأت فيها ضالتها في لحظة تصعيد ضد حزب الله، أو بـ”الشيعية السياسية”.
غير أن هذه الرمزية تحوّلت لاحقاً إلى عبء. فمقابل الحماسة الضيقة التي أثارتها، برز استياء لبناني رسمي، مثّلته رئاستا الجمهورية ومجلس النواب. ومؤخراً، ومع خروج أورتاغوس عن اللياقات التي تُرافق الزيارات ذات الطابع الدبلوماسي، تولّت بعبدا مخاطبة واشنطن احتجاجاً على تصرفات مبعوثتها التي تسببت في إحراج الرئاسة. وفي هذا السياق، يمكن فهم حجم الارتياح الذي ساد بعبدا مع إعلان احتمال تغييرها.
يُقال إن الاستياء من أداء “مورغان” بلغ السفارة الأميركية في عوكر. وإذا صحّ ما يُشاع عن اعتراض السفيرة ليزا جونسون على أداء أورتاغوس “المتفرّد وغير المنسّق”، فإن ما يجري اليوم يمكن قراءته كنوع من إعادة ضبط للأداء الخطابي الأميركي تجاه بيروت، لا للسياسات، بعد أن أثبت أسلوب المواجهة المباشرة محدوديّته في التأثير.
الأهم، أن واشنطن لا تعتزم تغيير موقع أورتاغوس فقط، بل يبدو أنها تمضي نحو إجراء تغييرات بنيوية عميقة في “عدة الشغل” الأميركية في الشرق الأوسط. وإذا صحّ السيناريو الذي يشير إلى إعادة تشكيل الفريق عبر ترقية المبعوث إلى المنطقة، ستيف ويتكوف، وتعيينه مستشاراً للأمن القومي، فإن أورتاغوس قد تكون ضحية ترتيبات بيروقراطية، أو مناقلات مدروسة تنسجم مع استراتيجية انخراط فريق الشرق الأوسط في ملفات إيران وسوريا. وهذا يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة تعيد هندسة دورها بما يتماشى مع الأولويات الأميركية، خصوصاً في الملف الإيراني، حيث يسعى البيت الأبيض لترتيب مرحلة “ما بعد المفاوضات”، وليس مجرد إدارتها.
ومع التغيّرات الإدارية الحاصلة في الملف السوري، بعد تعيين السفير الأميركي في تركيا، توماس باراك، مبعوثاً خاصاً، يبدو أن تركيز واشنطن بات منصباً على إيران، حيث تسعى إدارة ترامب لتعيين شخصيات ذات خطاب غير تقليدي، لا لمجرد مواكبة المفاوضات، بل لإدارة المرحلة التي تليها. ومن الضروري أن تتمتع هذه الشخصيات بعلاقات وثيقة مع إسرائيل لتعزيز التنسيق معها، وهو ما يعزز احتمال انتقال أورتاغوس للعمل ضمن الفريق المعني بالملف الإيراني.
وسبق أن انتشرت تسريبات عن احتمال مشاركة أورتاغوس في إحدى جولات التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران في كل من عمان وروما، بصفتها نائبة للمبعوث الأميركي إلى المنطقة. وقد تعزز هذا الاحتمال مع تطور المحادثات بين واشنطن وطهران، رغم ما تردد آنذاك عن رغبة مورغان في تولي ملف سوريا.
تبقى هوية الخلف مسألة مهمة بالنسبة للبنان. وخلال الفترة الماضية، منذ بدء الحديث عن احتمال التغيير (كما ذكرتُ في مقابلة مع سبوت شوت يوم الأحد 11 أيار الماضي)، تردّد في واشنطن أكثر من اسم يُعد أبرزهم المبعوث السابق الخاص إلى سوريا، السفير جويل ريبورن، كمرشح من قبل الرئيس دونالد ترامب لتولي منصب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى. هذا المنصب عادةً ما يتولى صاحبه متابعة الشأن اللبناني كمبعوث خاص، كما فعل سابقًا ديفيد ساترفيلد وديفيد شينكر.
الحديث عن تعيين ريبورن (وهو تعيين يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ) بديلاً محتملاً، يحمل بدوره إشارات ذات دلالة. فريبورن ليس دبلوماسياً تقليدياً، بل آتٍ من خلفية عسكرية استخباراتية، ويتمتع بخبرة مركّبة في ملفات متشابكة تشمل سوريا، العراق، إيران ولبنان.
اختياره - إن تم - سيعني عودة الملف اللبناني إلى حضن وزارة الخارجية الأميركية، بعد أن وُضع في فترات سابقة تحت عباءة البيت الأبيض.
هذا التحول قد لا يكون تهدئة بقدر ما هو ترشيد. بمعنى أن واشنطن قد تكون أدركت أن المقاربة التي جسّدتها أورتاغوس لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة، وباتت بحاجة إلى أدوات أكثر مرونة، ولكن ليست بالضرورة أقل حزماً.
من هو جويل ريبورن؟
دبلوماسي أميركي من خلفية استخباراتية في الجيش الأميركي. شغل عدة مناصب بارزة، من بينها:
• المدير الأول لملفات إيران والعراق وسوريا ولبنان في مجلس الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض (2017–2018)
• نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام والمبعوث الخاص إلى سوريا (2018)
• مستشار خاص لشؤون الشرق الأوسط لدى السيناتور الجمهوري عن ولاية تينيسي بيل هاجرتي (2021)
• ينشط حالياً في برنامج الأمن القومي بمؤسسة “أميركا الجديدة”
• رشّحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2025 ليكون نائباً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.