قالت عشرة مصادر مطلعة على أنشطة إيران النووية، من بينهم مسؤولون ودبلوماسيون ومحللون، أن نجاح أي اتفاق جديد بين طهران والدول الكبرى سيظل رهنًا بإزالة نقاط الغموض التي تعيق قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة البرنامج بشكل فعّال.
وأشارت تقارير فصلية صادرة عن الوكالة الدولية إلى أن أبرز نقاط الغموض تكمن في غياب معلومات دقيقة حول عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران، ومكان إنتاجها وتخزينها. كما تعجز الوكالة عن تنفيذ عمليات تفتيش مفاجئة في مواقع لم تُفصح عنها طهران سابقًا.
وفي واقعة بارزة العام الماضي، أفاد مفتشون دوليون بمشاهدتهم شاحنات محمّلة بأجهزة طرد مركزي متطورة تدخل إلى منشأة فوردو النووية المبنية داخل جبل جنوب طهران، ما فاقم الفجوة الاستخباراتية. وأكد مسؤول مطلع أن إيران أخطرت الوكالة بنيتها تركيب مئات الأجهزة الإضافية من طراز "IR-6"، لكن لم يكن لدى المفتشين أي علم بمصدر هذه المعدات.
توسّعت هذه الثغرات منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وهو الاتفاق الذي فرض قيودًا صارمة على نشاط إيران النووي. وبدأت الولايات المتحدة منذ أشهر محادثات جديدة مع إيران لمحاولة التوصل إلى تفاهم جديد يضع ضوابط إضافية على البرنامج.
وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: "هناك ثغرات في معرفتنا بالبرنامج النووي الإيراني يجب معالجتها للحصول على فهم أساسي لحجمه ونطاقه الحاليين. قد نحتاج إلى شهور لفعل ذلك، لكنه شرط أساسي لأي اتفاق موثوق".
رغم تأكيد طهران أن برنامجها لأغراض سلمية، شهدت السنوات الأخيرة قفزات كبيرة في مجال التخصيب. إذ ركّبت إيران أجهزة طرد مركزي متطورة وتخصّب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب من عتبة 90% اللازمة لصناعة السلاح النووي.
ووفق تقرير سري صادر عن الوكالة مطلع هذا الأسبوع، باتت إيران تملك ما يكفي من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% لصناعة ما يصل إلى 9 رؤوس نووية في حال تخصيبه بشكل إضافي. وذكرت الوكالة أن "لا دولة أخرى وصلت إلى هذا المستوى من التخصيب دون امتلاك أسلحة نووية".
أوضحت مصادر دبلوماسية أن المفاوضات التي بدأت في نيسان لم تحرز تقدّمًا ملموسًا بعد خمس جولات، بسبب رفض إيران وقف التخصيب أو تصدير مخزونها العالي التخصيب. ورأى مراقبون أن الاتفاق الجديد سيتطلب قيودًا إضافية على منشآت التخصيب، مع تعزيز غير مسبوق لإشراف الوكالة الدولية.
وكانت إيران قد أزالت قبل نحو 3 سنوات جميع معدات المراقبة التي ركبتها الوكالة بموجب اتفاق 2015، بما في ذلك كاميرات الورش التي تنتج مكونات أجهزة الطرد المركزي. وتؤكد الوكالة أنها لم تطلع على تسجيلات تلك الكاميرات منذ أكثر من عام.
وصرّح مسؤول أوروبي بأن برنامج التخصيب الإيراني بات متقدمًا جدًا، "لدرجة أن وقف العمل فيه اليوم لن يمنع الإيرانيين من إعادة تشغيله خلال بضعة أشهر فقط".
وتشير التقديرات إلى أن أي اتفاق مستقبلي سيتطلب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بناء "خط أساس" جديد، أي تجميع صورة شاملة لجميع عناصر البرنامج النووي الإيراني لتقييمه ومراقبته بدقة. ويُعد ذلك مهمة بالغة الصعوبة، نظرًا للفجوات الطويلة في المعلومات وفقدان "استمرارية المعرفة" حول مواقع ومخزون أجهزة الطرد المركزي و"الكعكة الصفراء".
وقال إريك بروير، المحلل الاستخباراتي الأميركي السابق في "مبادرة التهديد النووي": "تجميع هذا اللغز سيكون مهمة أساسية لأي اتفاق... لكن من غير المرجّح أن تحصل الوكالة على صورة كاملة، حتى مع تعاون طهران".
في المقابل، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإجراءات عسكرية في حال فشل التوصّل إلى اتفاق، مؤكدًا أن عدم قدرة الوكالة على ضمان سلمية البرنامج الإيراني يهدد أمن المنطقة والعالم.
وقال مدير الوكالة رافائيل غروسي من واشنطن في نيسان إن على إيران أن تقبل بقيود "لا يمكن التنصل منها"، دون أن يحدّد طبيعتها، مشيرًا إلى أن أي اتفاق جديد يجب أن يتضمن "تفتيشًا دقيقًا للغاية".