وفي هذا الإطار، يرى الباحث الاقتصادي والمالي الدكتور محمود جباعي، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن رواتب العسكريين والمتقاعدين متدنية جدًا بدون شك، وكان من المفترض إيجاد حل سريع لهذا الوضع. ويُذكّر بأنه سبق أن طالب شخصيًا بتصحيح هذا الواقع، وتابعه مع الحكومة السابقة من أجل وضع خطة لزيادة رواتب القطاعات الأمنية، لأن هذه الرواتب متدنية مقارنة برواتب القطاع العام، الذي يعاني هو الآخر في جوانب معينة، لكن الفوارق بين رواتب الطرفين أصبحت واضحة. فمن الطبيعي أن تحصل زيادات، إذ لم يعد من المقبول أن يصل راتب العسكري إلى 250 دولارًا كحد أقصى.
ويلفت إلى أن مثل هذه الرواتب لا تكفي في ظل التضخم الموجود والاقتصاد الحر وحركة الدولار، فمن المنطقي أن يعود الحد الأدنى إلى ما كان عليه سابقًا، لأن كلفة المعيشة مرتفعة، وبالتالي لا يتمكن العسكري من تأمين حاجاته بالحد الأدنى.
ويرى أن أفراد الأسلاك العسكرية والأمنية هم الأكثر استحقاقًا للزيادة على الرواتب، نظرًا للمجهود الكبير الذي يقومون به، من مواجهة الأزمة الاقتصادية، مرورًا بجائحة كورونا، والحفاظ على السلم الأهلي، واليوم عبر تطبيق القرار 1701.
وإذ يؤيد الزيادة، يشدد على أن من المفترض أن تكون أكبر من التي أُقرّت، وكذلك الأمر بالنسبة لموظفي القطاع العام، بعد أن تقوم الحكومة بإعادة هيكلة سريعة للقطاع وتحديد رواتب عادلة، ولكن بعد تأمين المداخيل اللازمة لهذه الرواتب والزيادات.
وكخبير اقتصادي، يفضل أن تأتي هذه المداخيل من مصادر أخرى، مثل زيادة الرسوم على الأملاك البحرية، أو مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، لأن هذين المصدرين وحدهما، وفق دراسات الخبراء، يمكن أن يؤمّنا ما بين 2 و3 مليارات دولار إضافية. كما أن الرسوم على الأملاك البحرية من شأنها أن توفّر مئات ملايين الدولارات سنويًا. فهذه الضرائب تُمكّن من تحسين الرواتب وتساعد الدولة على تقديم الخدمات الاجتماعية.
ويعتبر أن المشكلة في البلد أن الموازنات تأتي متشابهة، ولا تراعي الأصول المالية، ولا تأتي الرسوم في مكانها الصحيح، بل يستمر التناقض العملي والعلمي، ويستمر التهرب الضريبي والجمركي، لذلك يجب العمل على هذين الأمرين بشكل سريع.
وينبّه إلى أن موازنة 2025، التي تعمل عليها الحكومة اليوم، كانت الحكومة السابقة قد أعدّتها، مذكّرًا بما سبق أن طالب به تلك الحكومة، وهو استرداد الموازنة قبل 31/1/2025 لتعديل رسومها، لا سيما أنها أُعدّت قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان، لأن هذا الحدث فرض تعديلات على جباية الإيرادات.
وبما أن ذلك لم يحصل، فإن الحكومة الحالية صوتت بالإجماع على قرار رفع الرسوم على المحروقات، وهو ما سيكون له، برأي جباعي، تأثير سلبي على القدرة الشرائية، لأن الأسعار، في ظل غياب الرقابة في البلد، يمكن أن ترتفع على كافة السلع، وبالتالي ستؤدي إلى أزمة لدى الطبقات الوسطى والفقيرة.
ويشدد على ضرورة البحث عن إيرادات من أماكن أخرى، والبحث عن حلول بديلة، رغم أن الوقت يداهم الحكومة، لذلك يجب العمل بسرعة على موازنة 2026، التي يجب أن تتضمن آليات واضحة لكيفية تحصيل الضرائب والرسوم، عبر الضريبة على الأملاك البحرية، والضريبة التصاعدية على الأرباح، إضافة إلى التشدد في مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، وتفعيل الرقابة المالية عليهما، لأنها ستُسهم في تحقيق مداخيل مرتفعة جدًا من دون فرض ضرائب ورسوم جديدة لتحسين رواتب القطاع العام، وخاصة العسكريين.
وتمنى على وزارة المالية الحالية تحضير موازنة سريعة ضمن المهل الدستورية، بالتعاون مع كافة الوزارات، لتغيير النمط الضريبي القديم، واعتماد نمط حديث، مع الحد من "المزاريب" والهدر، خاصة في ما يتعلق بعدم تحصيل الضرائب.
ولا يغفل عن ضرورة الرقابة على عمل الموظفين للتأكد من إنتاجيتهم، لا سيما أن هناك آلاف الوظائف التي تحتاج إلى إعادة هيكلة وتنظيم.