تعتقد إسرائيل أن نتيجة المواجهة الأخيرة مالت لمصلحتها، وهذا الاعتقاد صحيح بمقدار كبير. من هذا المنطلق، تحاول الاستفادة القصوى من الظرف القائم. فمن جهة، تسوّق لفكرة أنها نجحت في إنهاء التهديد الذي يشكله حزب الله على جبهتها الشمالية، وتحديدًا من حيث تشكيل نسخة مستحدثة من هجوم 7 تشرين الأول. ومن جهة أخرى، تستثمر ذلك في شن موجة تصعيد مستمرة على لبنان، دون بلوغ عتبة الحرب أو تحت سقفها، تحت عنوان “استمرار مشروع إضعاف حزب الله”.
ويبدو أن تل أبيب نالت موافقة ضمنية من واشنطن على توسيع ما يُعرف بـ”جدار النار”، أي تعديل نمط تصرفها داخل ما يسمى “المنطقة الأمنية” المستحدثة جنوب وشمال الليطاني، لتشمل منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، ما يمنحها، عمليًا، حرية تصرف كاملة في هذه المناطق. وفي هذا السياق، تخلق إسرائيل لنفسها مبررات لاستهداف ما تدّعي أنها مواقع لتصنيع وسائل قتالية داخل الضاحية وضمن المناطق المأهولة بالسكان، وقد يتطور ذلك فيما بعد إلى استهداف من يعمل على إنتاج هذه الوسائل المزعومة، بأسلوب مشابه لسلسلة الاغتيالات الجارية في الجنوب.
تصعيد شهري؟
الأخطر في المشهد الحالي هو رغبة إسرائيل في تكرار مشهدية القصف، وعلى الأرجح بشكل شهري مقارنة مع قراءة مشهد السياق الحالي للأحداث، بدليل استمرار تحليق طائراتها المسيّرة فوق الضاحية بشكل مكثّف وشبه يومي لجمع معلومات استخبارية. وقد رُصد في الأيام القليلة الماضية تحليق استثنائي قد يكون شكل تمهيدًا لموجة الغارات التي استهدفت الضاحية بالأمس، ما يعني المزيد من تدمير الأحياء السكنية، وتوسيع رقعة التهجير. وهذه أداة ضاغطة تستخدمها إسرائيل لتعزيز الضغط على الحزب وبيئته.
وفي الموجة الأخيرة من الغارات، تضرّرت أو دُمّرت أكثر من 100 شقة سكنية تقع في مجموعة من الأبنية تواجدت في مربعات ضمن المناطق المستهدفة، ما أدى إلى تهجير نحو 300 عائلة إضافية، وهو ما يفاقم الضغوط على الدولة اللبنانية وحزب الله في آن.
رسائل إلى الدولة… وإلى جوزاف عون
في هذا السياق، سُجّل موقف لافت لرئيس الجمهورية، جوزاف عون، الذي استنكر العدوان الإسرائيلي، ولفت مجددًا إلى تخلي بعض الدول الراعية لاتفاق 27 تشرين الثاني عن التزاماتها. لكن الأهم في ما يُرصد أن الآلة العسكرية الإسرائيلية باتت تستهدف عون وتستهدف عهده بشكل واضح، في محاولة لتقويض جهوده الرامية إلى إيجاد حل لسلاح حزب الله من جهة، وإحباط مساعيه لإعادة ترميم علاقات لبنان الخارجية، لا سيما مع الدول العربية، وهو البند الذي يحظى بأولوية لدى رئيس الجمهورية من جهة أخرى، وعلى رأسها إعادة فتح أبواب السياحة أمام رعايا تلك الدول.
ومع الغارات المركّزة على الضاحية، وما قد يواكبها لاحقًا، تبدو احتمالية عودة السياحة، وكل المساعي المرتبطة بها، شبه مستحيلة.
عمليًا، لا بد من إعادة تقييم المساعي الدبلوماسية التي يبذلها لبنان عبر مجموعة من الدول للجم إسرائيل. وقد يكون من الضروري ابتكار أدوات ضغط جديدة، رغم الاعتراف الواقعي بأن لبنان يفتقر إلى عناصر القوة الفاعلة، لا سيما وأن ما اختبره الجيش اللبناني خلال الغارات الأخيرة على الضاحية يُظهر بوضوح كيف تتعامل إسرائيل مع المؤسسة العسكرية ومع الدولة اللبنانية ككل.