كأن خطاً فاصلاً قد ظهر في المشهد الداخلي منذ ليل الخميس ـ الجمعة الماضي، رسمه الإعتداء الإسرائيلي الأخير على الضاحية الجنوبية، بحيث انقلبت الرعاية الأميركية لاتفاق وقف الأعمال العدائية، إلى اصطفافٍ في الموقف داخل اللجنة الخماسية المشرفة على تطبيق هذا الإتفاق ميدانياً، ما أنتج عملية خلطٍ للأوراق المحلية، إذ لوّح لبنان بورقة تجميد التعاون مع اللجنة، فيما رفع رئيس الجمهورية سقف الموقف الرسمي إزاء الخروقات الإسرائيلية، فرفض تحويل لبنان إلى صندوق بريد بين لبنان وإسرائيل.
ماذا ينتظر لبنان بعد هذا التحّول الأميركي الذي لم يعد من الممكن إغفاله، والذي كانت أولى ملامحه تغيير مورغان أورتيغاس، من دون الكشف عن الشخصية التي ستخلفها كنائبة لموفد الرئيس دونالد ترامب إلى منطقة الشرق الأوسط.
عند هذه الحدود، كان التغيير غير واضح الأهداف ويشوبه غموض دفع بالقوى السياسية اللبنانية إلى قراءته من زاوية خاصة وغير موضوعية، ذلك أن كل فريق وضع "أمنياته" في ترحيبه أو في مفاجأته لرحيل "ملكة الجمال" التي شغلت بيروت لبضعة أشهر بمواقفها الملتبسة، وإن كانت من حيث مضمونها، لا تختلف عن مواقف آموس هوكشتاين مهندس اتفاق وقف النار، وقبله اتفاق الترسيم البحري، ونجح في وضع قواعد اتفاق تثبيت الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، الذي وضعته إسرائيل في مكانٍ بعيد بعد احتلالها لنقاطٍ خمس حدودية في الجنوب.
هذه التناقضات الداخلية، شكّلت الردّ اللبناني على كل النصائح والرغبات الدولية والأميركية بإطلاق دينامية سياسية وأمنية واقتصادية ومالية، تسمح للبنان بالخروج من حال الحرب والدمار إلى الإستقرار ووقف النار الدائم وإعادة الإعمار.
وفي سياق الردّ الأميركي، تُدرج مرجعية ديبلوماسية موقف واشنطن وغيابها عن التمادي الإسرائيلي في لبنان، والأخطر خطوتها في تجميد أي آليات تواصل ديبلوماسية، عبر الضبابية المحيطة بمصير المهمة التي كانت تقوم بها أورتيغاس في بيروت.
وتنقل المرجعية الديبلوماسية معلومات من واشنطن، بأن القرار الرسمي على مستوى الشخصية التي ستتولى مهمة التواصل مع لبنان، لم يصدر بعد بحيث أن كل ما يتردد من سيناريوهات في بيروت حول ما بعد أورتيغاس، لا يتماهى مع الواقع خصوصاً وأن التعيينات في مكتب الأمن القومي لم تُنجز بعد وسيتمّ الإعلان عن أي قرار حولها بشكلٍ رسمي وسيتمّ إبلاغ بيروت بشكلٍ مباشر.
وبناءً على هذه المعطيات، تقرأ المرجعية الديبلوماسية الوقائع الميدانية الأخيرة سواء في بيروت أو في الجنوب، وغياب التحرك الأميركي تجاه لبنان واقتصاره على اللجنة العسكرية التي تتواصل مع الجيش اللبناني من أجل استكمال الخطوات الميدانية، في إطار تطبيق بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية، علماً أن هذه الأعمال، ومنذ وقف النار، هي إسرائيلية فقط.
ولذلك كله، فإن المرجعية الديبلوماسية، تحسم الجدل حول الموقف الأميركي، بأنه ما زال على حاله، وكل الإجتهادات اللبنانية عن تغييرٍ نوعي تجاه لبنان، تصطدم بإصرار الرئيس دونالد ترامب على أن يسلك لبنان طريق تطبيق بندين متلازمين، وهما حصر السلاح بيد الشرعية على كل الأراضي اللبنانية، وإصلاح سياسي واقتصادي ومالي يؤمن الشفافية المطلوبة عربياً ودولياً لأي عملية دعم مالي لإعادة الإعمار.
وخارج هاتين الأولويتين الأميركيتين، لا جديد في الموقف الأميركي، إلاّ أن الجديد قد بدأ يتبلور لبنانياً من خلال استعادة ملامح توتر في المشهد الميداني، أعاد مجدداً الكرة إلى الملعب اللبناني، الذي دخل مرحلةً جديدة عنوانها عودة التهديد الإسرائيلي والتحركات الديبلوماسية التي تبدأ فرنسية وتُستكمل عربية وأوروبية.