يرى الكاتب والمحلل السياسي فادي بو دية أنه من الواضح أن هناك جهات عديدة تسعى لإثارة الفتن داخل لبنان، مستغلة ما تعتبره لحظة مناسبة للانقضاض على حزب الله (الجريح). هذه الجهات تراهن على أن البيئة الحاضنة للمقاومة تعاني اليوم من أزمات وصدمات متتالية قد تمنعها من الاستمرار في دعم الحزب أو الدفاع عنه، وبالتالي تسعى إلى تصفية هذه المقاومة من خلال إشعال صراعات داخلية.
لكن يرى ان ما يجب التوقف عنده، هو أن حزب الله لم ينجرّ إلى هذه الفتن، بل على العكس، أظهر قدرًا كبيرًا من الاستيعاب والتروي تجاه الحملات الإعلامية والسياسية والاستفزازات الميدانية، سواء من خلال الشعارات أو الصور أو اليافطات التي انتشرت في الشوارع.
وفي الوقت نفسه، يلفت الى أن الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة أظهرت أن شعبية حزب الله ليست في تراجع كما يدّعي البعض، بل بالعكس، فقد أثبت الحزب حضوره المتزايد حتى في مناطق لم تكن محسوبة ضمن نفوذه التقليدي، ونجح في كسب ثقة ناخبين جدد، وهذا ما شكل صدمة كبيرة لأولئك الذين راهنوا على تفكك البيئة الحاضنة له، سواء من الداخل أو الخارج.
ويؤكد أننا نواجه اليوم نفس المشروع والأهداف التي كانت موجودة سابقًا، ولكنها فشلت مجددًا.
أما بالنسبة للوضع الأمني، فيذكّر أنه بين القلائل الذين، منذ انتهاء الحرب الأخيرة أو حتى منذ اتفاق وقف إطلاق النار، أعلنوا أن هذه الحرب لم تنتهِ فعليًا، فإسرائيل ما زالت في حالة عدوان دائم على لبنان، لذلك لنتوقف عن سؤال "هل هناك حرب؟" لأن الحرب مستمرة، بشكل أو بآخر.
ويوضح أن الدولة اللبنانية اختارت طريقًا دبلوماسيًا، ساعيةً إلى تحميل الدول الراعية مسؤولية الضغط على إسرائيل من أجل الانسحاب، وبدأت صفحة جديدة. لكن للأسف، لم يستجب أحد لهذا المسار. لا إسرائيل استجابت، ولا حتى الداخل اللبناني استطاع أن يردع العدوان.
ويعتب على الدولة ، فعندما تزعم إسرائيل وجود سلاح أو مخازن سلاح في مناطق معينة، لا تتدخل الدولة اللبنانية كما يجب، بل ترسل الجيش، في محاولة لإثبات كذب الادعاءات الإسرائيلية، وهذا، وإن بدا منطقيًا، لكنه لا يؤثر على موقف إسرائيل، التي تنفذ ضرباتها وتمضي، غير عابئة بردود الفعل أو بتأكيدات الجيش اللبناني، لأن الاخطر برأيه ، أن إرسال الجيش اللبناني إلى مناطق معينة يعطي انطباعًا وكأن الدولة تسعى لتأكيد تلك المزاعم بشكل غير مباشر. بينما كان يجب على الدولة أن ترد بأن ما يحصل في الجنوب لا يبرر التفتيش في مناطق أخرى.
ويأسف لأن الدولة اليوم تُظهر تراخيًا واضحًا أمام المطالب الإسرائيلية، وربما أكثر من ذلك، حالة “انبطاح” مماثلة لما جرى حين منعت دخول الطائرات الإيرانية إلى لبنان تحت التهديد الإسرائيلي، واليوم، يتكرر المشهد نفسه تحت عناوين فضفاضة مثل "الإصلاحات"
ويستفزه ما يفرض من ممنوعات بما يوحي بأن هذا البلد لا يمكنه أن يسير إلى الأمام بوجود سلاح المقاومة، مشيراً الى ان المشكلة أن ما يسمّى بـ”الإصلاحات” أصبح في الحقيقة شَرطًا دوليًا لإقصاء المقاومة، فالمطلوب من لبنان لكي يحصل على المساعدة، ولكي ينهض اقتصاديًا، أن يتخلّى عن مقاومته. وهنا نطرح السؤال: من الذي يريد هذا الشرط؟ هل هي بعض الدول العربية؟ أم أن من يطلب هذا فعليًا هي إسرائيل؟
ويجيب على هذا السؤال بأن إسرائيل هي من تسعى إلى هذا، لكنها تستخدم بعض الدول كواجهة، فتصبح هذه الدول، التي يُفترض أن تساعد لبنان، مجرد وسيط لاستسلام لبنان أمام إسرائيل. بل أكثر من ذلك، فهي تتحوّل إلى أدوات لدفع لبنان نحو التطبيع بطريقة غير مباشرة، من خلال تفكيك عناصر قوّته الذاتية.
وييستنتج معادلة بسيطة" إذا لم تبقَ لديك قوة، لا عسكرية ولا سيادية، فأنت مهيّأ للتطبيع تحت الضغط، أو للاستسلام تحت وقع العدوان".
ويشدد على أن كل هذه الضغوط التي تُمارس على لبنان ، مرة باسم "الإصلاحات"، ومرة بعناوين مختلفة ، تهدف في نهاية المطاف إلى إخضاع لبنان وإجباره على الانسجام مع المشروع الإسرائيلي في المنطقة، معدداً انواع الضغوطات والشروط التي يتعرض لها لبنان اليوم في كافة المجالات الاقتصادية والامنية والسياسية والعسكرية ، وكل هذه الشروط، عندما تجتمع تصب في اتجاه واحد"نزع سلاح المقاومة".
وينتقد بعض الاعلام الذي يبرر ضرب الضاحية مثلاً بوجود سلاح مع حزب الله بما يعني كأن المطلوب أن يسلم الحزب سلاحه حتى ترضى عنه إسرائيل! متسائلاً :"أليس هذا منطق العمالة؟ أليس هذا منطق الهزيمة والانبطاح؟".
ويقول:"هذا المنطق لا يمكن وصفه إلا بأنه منطق استسلامي يحمّل الضحية مسؤولية العدوان، ويطالبها بالتخلي عن وسائل دفاعها لحماية المعتدي من “الإحراج”
ويخلص الى ان لبنان أمام مرحلة صعبة قد تنفجر في أي لحظة الى حرب موسعة ، فإسرائيل لم تنزع من رأسها فكرة اجتياح لبنان .