في مشهد يعكس تحوّلًا محوريًا في خطاب الدولة، يتردد صدى التفاؤل الحذر من أروقة القصر الجمهوري في بعبدا، تزامنًا مع استعداد العاصمة بيروت لاحتضان مؤتمرين دوليين برعاية فرنسية. الرسالة واضحة: لبنان يفتح صفحة جديدة من الشراكة الدولية، مسلّحًا بخطة اقتصادية طموحة وواقعية في آنٍ واحد.
الحكومة مدفوعة بزخم سياسي جديد، تطرح خطة استثمارية طموحة تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار على مدى 10 سنوات. تشمل الخطة مشاريع تنموية في قطاعات حيوية، لا سيما الكهرباء والبنية التحتية، مع هدف مضاعفة الناتج المحلي من 30 إلى 60 مليار دولار، وتأمين تمويل عاجل بقيمة 7 مليارات دولار لقطاع الكهرباء المتعثر.
شدد وزير الاقتصاد والتجارة عامر بساط، في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، على أن الحكومة شرعت فعليًا في إصلاحات بنيوية تبدأ من رفع السرية المصرفية، وتمر بإقرار أطر قانونية لمعالجة الأزمات المالية، وصولًا إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي دون المساس بودائع المواطنين، مؤكدًا أن "الاقتطاع من أموال المودعين خط أحمر".
وأضاف بساط أن هذه الإصلاحات ليست مجرد استجابة للضغوط الدولية، بل ضرورة محلية لاستعادة الثقة وخلق بيئة مواتية للاستثمار، قائلاً: "لن يأتي النمو إلا إذا عاد الاستثمار، ولن يعود الاستثمار ما لم تُسترد الثقة".
في تحول لافت في الخطاب الرسمي، أكد أن لبنان لا يطلب المساعدة بل يعرض "فرصة استثمارية حقيقية"، من خلال مشاريع قابلة للتنفيذ وشراكات مدروسة مع المجتمع الدولي، على رأسه البنك الدولي وصندوق النقد، إضافة إلى شركاء عرب وخليجيين.
وأشار بساط إلى أن جذب الاستثمارات الخاصة، المحلية والدولية، يشكل محور خطة التعافي، مشددًا على دور الجاليات اللبنانية حول العالم التي تُعدّ "كنزًا ماليًا واستثماريًا غير مستغل حتى الآن".
أحد المحاور الأساسية في خطة الحكومة هو خفض كلفة الإنتاج المرتفعة، خصوصًا في ظل انهيار قطاع الكهرباء. وتضع الحكومة قطاعي الكهرباء والاتصالات في مقدمة أولوياتها، لما لهما من دور مباشر في تحفيز الاقتصاد ورفع تنافسيته.
والحكومة تعمل وفق ثلاثية متكاملة في إصلاح النظام المصرفي:
-حماية ودائع المواطنين دون اقتطاع أو تحويل إجباري إلى الليرة.
-شراكة فاعلة بين الدولة والمصارف والمصرف المركزي في تقاسم أعباء الأزمة.
-عدالة في التوزيع تضمن عدم تحميل طرف واحد العبء الكامل.
ويعوّل لبنان بشكل كبير على القطاع الخاص والمغتربين، حيث قال بساط: "لبنان لا ينقصه المال بل الثقة والحوكمة". واعتبر أن جذب الشركات الاستثمارية وصناديق التمويل العربية، فضلًا عن تعبئة موارد المغتربين، يشكل حجر الزاوية في النهوض الاقتصادي المرتقب.
وتضع الحكومة رؤيتها المستقبلية أمام المجتمع الدولي، مستندة إلى دعم سياسي عربي ودولي غير مسبوق، وإلى وجود قيادة جديدة تسعى لإعادة لبنان إلى خارطة الشرق الأوسط الاقتصادية، لا كمستجدي دعم، بل كشريك في النمو.
وفي هذا السياق، لخص بساط الأمر قائلاً: "فتحنا الشباك بعد سنين من الشلل، فدعونا لا نضيّع الضوء".