يرى الكاتب والخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديث الى "ليبانون ديبايت" أن الحديث عن التداعيات الاقتصادية للمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، سواء على مستوى الاقتصاد العالمي أو الاقتصاد اللبناني، لا يمكن أن يكون دقيقًا أو حاسمًا في الوقت الراهن، قبل أن تتّضح مدة هذه المواجهة وحجمها ومدى انتشارها، فضلًا عن طبيعة الردود المتبادلة وما إذا كانت ستتوسع، أو من الممكن أن تتوقف عند حدود معينة.
ويشير فرح إلى أن السيناريو الاقتصادي المحتمل يرتبط أساسًا بعاملين اثنين:
1. المدة الزمنية التي قد تستغرقها الحرب.
2. حجم الأضرار التي يمكن أن تنجم عنها، سواء على البنى التحتية أو في مجال الطاقة والإمدادات الحيوية.
ويوضح انه إذا اتّسع نطاق الحرب وزادت مدة المواجهة، فإن التداعيات الاقتصادية ستتعمق، وستصل إلى مستويات خطيرة جدًا، قد تُحدث اضطرابًا واسع النطاق على مستوى الطاقة والتجارة الدولية."
ويُذكّر فرح أن منطقة الخليج، وبشكل خاص مضيق هرمز، تعتبر ممرًا حيويًا لجزء كبير من التجارة العالمية، لا سيّما صادرات النفط. وبالتالي، فإن أي تهديد مباشر لهذا المضيق أو للمصافي ومنشآت التكرير في المنطقة، سيؤدي إلى أزمة طاقة حادة، تبدأ من ارتفاع أسعار المحروقات عالميًا، وتمتد لتطال معظم القطاعات الاقتصادية.
ويتابع موضحًا بان المنطقة أيضًا تضم عددًا كبيرًا من القواعد الأمريكية، وفي حال توسّع نطاق الحرب وشاركت قوى إقليمية أو دولية داعمة لأي من الطرفين، فإن الأمور ستزداد تعقيدًا، وستكون تداعياتها حتمية على الأسواق، لا سيّما في ما يتعلق بالنفط والغاز، وسلاسل الإمداد العالمية."
ويشدّد فرح على أن أولى النتائج المتوقعة في حال استمرار الحرب لفترة طويلة، ستكون ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد، ما سيخلق أزمة طاقة تؤثر على معظم اقتصادات العالم، ومنها لبنان، الذي يعاني أصلًا من هشاشة بنيوية، ويُعتبر من الدول الأكثر تأثرًا بأي تغير في أسعار المحروقات عالميًا.
إلى جانب ذلك، يلفت فرح إلى أن الذهب، وباعتباره الملاذ الآمن التقليدي في أوقات عدم الاستقرار، قد يشهد ارتفاعًا في الأسعار، ومع تصاعد المخاوف من تطور الحرب، فإن هذا الارتفاع مرشّح للاستمرار، نظرًا لتوجه المستثمرين العالميين نحو الأصول الآمنة.
ويلفت الى انه إذا استمرت المواجهة واتّخذت طابعًا عسكريًا واسعًا، فإننا سندخل في مرحلة جديدة من التقلبات الاقتصادية الحادة على مستوى العالم، وسينعكس ذلك على لبنان بشكل مباشر، سواء من خلال ارتفاع كلفة المعيشة، أو من خلال اضطراب سلاسل التوريد، أو حتى عبر تأثيرات نفسية على الأسواق المحلية التي تعاني أصلًا من هشاشة عميقة.
ويشير فرح الى أن لبنان كان يُعوّل على صيف واعد هذا العام، خصوصًا في ظل التوقعات المتفائلة بموسم سياحي نشِط يرفد الاقتصاد بإيرادات مالية كبيرةو في تحريك عجلة النمو، لكن اندلاع المواجهة بين إيران وإسرائيل وضع علامات استفهام كبرى على هذه الآمال.
وبرأيه فإن أي تطور أمني واسع، سواء في الإقليم أو داخليًا، سينعكس مباشرة على الموسم السياحي، لأن السياحة تعتمد أولًا على عنصر الاستقرار. وفي حال استمر التوتر، أو تفاقم إلى مواجهة مفتوحة، فالموسم السياحي سيُصاب بالشلل، وهذا سيكون ضربة إضافية للاقتصاد اللبناني.
ويقول:"حتى اللبنانيين المقيمين في الخارج، والذين اعتادوا القدوم إلى لبنان في الصيف، قد يُعيدون حساباتهم، خصوصًا إذا لم يتضح بعد ما إذا كان لبنان سيبقى بمنأى عن التصعيد، أو ما إذا كان هناك احتمال لانخراط حزب الله في المواجهة بشكل مباشر، كما حصل في دعم غزة.”
ويؤكد أن أي تصعيد عسكري مباشر داخل لبنان، أو حتى أي إشارات تُفهم كمؤشرات على تورّط لبناني، ستؤدي إلى موجة حذر وإلغاء للحجوزات، سواء من السياح العرب أو اللبنانيين المغتربين، ما يعني خسارة مليارات الدولارات المحتملة التي كان يعوّل عليها الاقتصاد اللبناني كمتنفس رئيسي خلال موسم الصيف.
ويختم فرح حديثه بالتشديد على أن:"كل ما نُحذّر منه اليوم هو احتمالات، وليست وقائع حتمية، فإذا انتهت هذه المواجهة سريعًا، وكان الرد الإيراني الأخير هو نهاية التصعيد، وجرى بعدها العودة إلى مسار التفاوض، فقد يكون العكس هو الصحيح: أي انفراج نسبي قد يعيد الثقة ويُعزّز فرص الموسم السياحي وبالتالي يكون لبنان أمام مزيد من الانفراجات".