وإذا كانت التدابير المستعجلة التي اتخذتها سفارة الولايات المتحدة بالأمس، قد زرعت بعض الشكوك بالنسبة لما ينتظر لبنان في الأيام القليلة المقبلة، فإن مغادرة الديبلوماسيين بطريقة مباغتة، لم تضعها مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع، في نطاق استباق التصعيد الحتمي، بل وصفته بالإجراء الإحترازي، خصوصاً وأن خطوات مشابهة قد اتخذت في الساعات الماضية في بعض دول المنطقة، كما في عواصم غربية.
فالمصالح الأميركية في المنطقة، والتي تدخل في دائرة التهديد من قبل طهران، تتوزّع في دول عدة، إلاّ أن المصادر الديبلوماسية، تكشف أن هذه المصالح تتركّز في مكان واحد وهو إسرائيل، بمعنى أن الردّ الإيراني، سيطال إسرائيل فقط وليس أي بلدٍ آخر. ومن الجليّ أن الصواريخ الإيرانية التي تضرب إسرائيل وتحقّق إصابات "نوعية" في أي لحظة، وبطريقة مفاجئة سواء خلال الليل أو في النهار، ومن دون أي نهج متّبع ومعروف، كانت وستكون الردّ الطبيعي الذي لن يتأخر. وتنقل المصادر نفسها عن تقارير عسكرية، أن التغيير الذي بات ملحوظاً من حيث الأهداف أو الإصابات التي تحقّقها الأعداد المحدودة من الصواريخ الإيرانية، والإرباك الذي تسبّبه للدفاعات الجوية الإسرائيلية، قد أرسى معادلةً يعترف بها حتى خصوم إيران، وهي أنه كما أن سماء إيران مفتوحة للطائرات الإسرائيلية فقد باتت سماء إسرائيل مفتوحةً أمام الصواريخ الإيرانية.
ولا تتوقف المصادر الديبلوماسية عند هذه المعطيات، للإجابة على سؤال رئيسي مطروح بقوة، ويتعلّق بأي تصعيد استباقي قد تبادر إليه إسرائيل في لحظة التوتر الإقليمي، وبالتالي توسيع مساحة التصعيد، عبر استهداف لبنان. ولا تُسقط المصادر من حساباتها، أن يكون احتمال إشعال جبهة لبنان خياراً إسرائيلياً، لكنها تشدّد على أن سحب الذرائع، سيكون الخطوة المطلوبة من الجانب اللبناني، وهي المهمة الأساسية التي اتفق الرؤساء الثلاثة على الإضطلاع بها منذ ما قبل الضربة الأميركية على إيران.
ورغم كثرة السيناريوهات المرسومة للأيام المقبلة، لا يمكن توقّع السيناريو الذي سترسو عليه المواجهة، وسط اعتقاد المصادر بأن الحرب غير المسبوقة سترتب تداعيات غير محسوبة، ذلك أن القرار لم يعد بعد اليوم في إسرائيل أو في إيران، بل في واشنطن التي تستعد لليوم التالي، بعدما وضعت أمام إيران خيارات ثلاثة هي، خيار العودة إلى المفاوضات أو خيار توجيه ضربات إضافية إذا قرّرت طهران التصعيد، أو خيار استمرار الحرب ثنائيةً بين إيران وإسرائيل.