هذه الحادثة، في توقيتها ومكانها، أعادت إلى الأذهان أجواء التوتر التي سبقت 7 تشرين الأول 2023، حين كانت العلاقة بين اللبنانيين واللاجئين السوريين تسير نحو انفجار اجتماعي – أمني وشيك. لكنّ انفجار غزة آنذاك غطّى على المشهد المحلي، لتُطوى الصفحة مؤقتاً. واليوم، تبدو الصورة وكأن سيناريو مقلق يُعاد، مع تعديلات على الأدوار والخلفيات واللاعبين.
في الظاهر، قد تبدو الاعتقالات الأخيرة مجرد حملة أمنية روتينية، لكن في العمق، هناك من يرى في ما يحدث مؤشرات على تحرك أعمق يُطبخ بصمت. بعض القراءات تشير إلى أن حزب الله قد يكون خلف افتعال هذا التوتر الأمني، في محاولة استباقية لإبعاد أي توجه داخلي أو خارجي نحو ملف سلاحه، خاصة مع انتهاء الجولة الأخيرة من المواجهة مع إسرائيل.
في المقابل، ثمّة من يسلّط الضوء على البُعد الدولي في المشهد، إذ لا يستبعد مراقبون وجود بصمة استخبارية أمريكية في تحريك بعض الخلايا، خصوصاً أن قسماً من تنظيم داعش يُعتقد أنه مرتبط بشكل أو بآخر بأجهزة استخباراتية غربية، بينما آخرون يرون أن إيران قد تستخدم خلايا إسلامية متشددة كأذرع أمنية غير مباشرة للرد على ما تكبّدته من خسائر في الحرب الأخيرة، سواء على المستوى النووي أو الاستخباراتي.
وفي هذا السياق، كشف مسؤول أمني رفيع أن خلايا نائمة تابعة لداعش ما زالت موجودة على الأراضي اللبنانية، وهي تنتظر التوقيت المناسب للتحرّك. وهذا ما يطرح سؤالاً وجودياً: هل نحن فعلاً أمام موجة مؤقتة، أم أنّ “الشرق الأوسط الجديد” سيُكتب مجدداً بالدم والخرائط السرية؟
مصادر أمنية مطّلعة بدورها أكدت أن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تُحسم بالكامل. صحيح أن إسرائيل خرجت بانتصار تكتيكي على مستوى الاستخبارات والقدرة الجوية، إلا أن إيران، رغم إصابتها بضربات نوعية، لم تُخرج أوراقها كلها. وتخشى تلك المصادر أن يكون الرد الإيراني، عبر حزب الله، أمنياً وليس عسكرياً، أي من خلال تفجيرات، اغتيالات، وعمليات منظمة تطال العمق اللبناني وربما خارجه.
وفي هذا الإطار، يبرز اسم المسؤولين الأمنيين البارزين في حزب الله: طلال حمية وخضر نادر، اللذين لا يزالان “كالأشباح” وفق وصف المصدر الأمني، ما يؤشر إلى قدرة الحزب على خوض حرب أمنية طويلة الأمد، مع قدرات تُقارب – أو تضاهي – قدرة جهاز “الموساد” الإسرائيلي في بعض المجالات.
في المحصلة، لا يمكن التعاطي مع التهديد الحالي على أنه مجرّد زوبعة في فنجان. لبنان، كما المنطقة بأسرها، على شفير مرحلة أمنية دقيقة قد تمتد لعامين على الأقل، وفق تقديرات استخبارية متعددة. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ستبقى الدولة اللبنانية على هامش الأحداث، أم أنها ستتحرك جدياً قبل أن يُصبح الإرهاب واقعاً لا يُمكن احتواؤه؟