"ليبانون ديبايت" - محمد المدني
في لبنان، لا تسقط الحكومات فقط عبر الدستور، بل عبر الشارع والتسويات والضغوط الخارجية، أو حتى بالاستقالات المدروسة. فمنذ العام 2005، أصبحت الحكومات اللبنانية أشبه بـ"المراكب المؤقتة" التي تُسيَّر على أمواجٍ إقليمية ومحلية هائجة، وسرعان ما تتعرض لعواصف تعصف بها فتغرق قبل أن تصل إلى أي برّ إصلاحي.
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، دخل لبنان في مرحلة جديدة من التوازنات الهشّة. جاءت حكومة نجيب ميقاتي الأولى كجسر للانتخابات النيابية، ثم تولّى فؤاد السنيورة قيادة حكومة طالت ولايتها رغم انسحاب وزراء "الثنائي الشيعي" واندلاع حرب تموز 2006، لتصمد حتى انتخابات 2009 التي أفرزت حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى.
لكن في كانون الثاني 2011، انهارت حكومة الحريري إثر استقالة 11 وزيرًا من فريق 8 آذار، ضمن ما عُرف آنذاك بـ"الثلث المعطِّل"، ليتولى بعدها نجيب ميقاتي من العام 2011 حتى 2013 تشكيل حكومة لم تصمد أمام الاستقطاب الحاد، ما دفعه للاستقالة.
الرئيس تمام سلام تسلّم زمام الأمور بعد فراغ طويل، وقاد حكومة انتقالية عملت على خط التوازن وسط غياب رئيس للجمهورية. ومع انتخاب ميشال عون رئيسًا في 2016، عاد الحريري إلى السراي، لكن حكومته سقطت مجددًا، وهذه المرة بفعل الشارع، إثر اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول عام 2019، ما أجبره على تقديم استقالته.
بعد ذلك، جاء الرئيس حسان دياب بحكومة "اللون الواحد"، وسقط بدوره بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، نتيجة ضغوط داخلية ودولية هائلة. أما نجيب ميقاتي فقاد حكومته الثالثة بين العام 2021 و2022، والتي انتهت مع الانتخابات النيابية، لتتحوّل لاحقًا إلى حكومة تصريف أعمال.
وفي هذا السياق من الولادات المتعثرة والسقوط المتكرر للحكومات، تبرز حكومة الرئيس نواف سلام التي تشكّلت في ظل تسوية دولية - إقليمية خفية طُبخت ليلًا ووُضعت على مائدة النواب نهارًا، لكنها لم تنجح في ترسيخ موقعها داخليًا، لا سياسيًا ولا شعبيًا.
منذ أسابيع، تزداد المؤشرات على أن هذه الحكومة تقترب من حافة السقوط، فالعلاقة الباردة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية العماد جوزيف عون لم تعد خافية على أحد. يضاف إلى ذلك مواقف حزب القوات اللبنانية التصعيدية التي قد تُفضي إلى انسحابها من الحكومة، مع ما يترافق ذلك من عدم وجود دعم سني سياسي للحكومة ورئيسها، وكل ذلك يوحي بأن الحكومة تعيش على حافة التوازن.
هذا في الشكل، أما في العمق، فتعاني حكومة نواف سلام من عجز فعلي عن إدارة الملفات الكبرى، سواء في ما يتعلق بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، أو في معالجة ملف اللاجئين السوريين، أو حتى الدخول في تسويات داخلية تتعلق بسلاح حزب الله. ولعلّ غيابها عن أي تأثير فعلي في ورقة الموفد الأميركي توم باراك، والاكتفاء بدور المتلقي، يؤكد محدودية دورها حتى في اللحظات المصيرية.
بناء على ذلك، وإذا كانت الحكومات اللبنانية في السنوات الأخيرة قد سقطت بسبب الخلافات الطائفية، أو بسبب الشارع، أو تحت ضغط الخارج، فإن حكومة نواف سلام تبدو مرشحة للسقوط بكل هذه العوامل مجتمعة. وبين عجز داخلي وتفكك سياسي، تقف هذه الحكومة في مهب الريح، بانتظار صفارة تسوية جديدة تعيد رسم مشهد السلطة من جديد.