أظهرت تطورات قرار تعليق وإعادة إرسال الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا حالة الارتباك والانقسام داخل الإدارة الأمريكية وكشفت عن خلل عميق في تنسيق القرارات السياسية والعسكرية الحساسة.
في خطوة مفاجئة، قرر وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث تعليق شحنات الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا الأسبوع الماضي، بما في ذلك صواريخ "باتريوت" وذخائر المدفعية، دون إبلاغ البيت الأبيض أو الشركاء الرئيسيين في الإدارة مثل مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص لأوكرانيا كيث كيلوغ. علم هؤلاء بالقرار من خلال التقارير الصحفية، ما أثار استياءً واسعاً داخل الإدارة، وفقاً لتقرير نشرته شبكة "سي إن إن".
ورغم تصريحات المتحدث باسم البنتاغون بأن القرار جاء بعد مراجعة شاملة وتم "تنسيقها على مستوى الحكومة"، إلا أن المصادر أكدت أن الرئيس ترامب لم يكن على علم بالخطوة، ولم يُطلب منه الموافقة عليها. وعندما سُئل ترامب عن الجهة التي أصدرت القرار، قال: "لا أعرف، لماذا لا تخبرني أنت؟" وهو ما يعكس فجوة كبيرة بين وزير الدفاع هيغسيث والرئيس.
بعد علمه بالقرار، طلب ترامب شخصياً من هيغسيث استئناف إرسال الأسلحة، وخاصة الصواريخ الدفاعية لأنظمة "باتريوت"، مشيراً إلى أنها ضرورية لحماية المدنيين الأوكرانيين من الهجمات الروسية المستمرة. لكن، رغم هذا التوجيه، لم تعلن وزارة الدفاع رسمياً عن استئناف الشحنات إلا بعد ساعات من تصريحات ترامب العلنية، ما يعكس التردد في تنفيذ القرار.
كشفت التحريات الداخلية أن فكرة تعليق الشحنات نشأت داخل البنتاغون، وتحديداً من وكيل وزارة الدفاع للسياسة، إلبيردغ آي كولبي، الذي يُعتبر منتقدًا لسياسة الدعم العسكري الكثيف لأوكرانيا. طرح كولبي فكرة التعليق على نائب وزير الدفاع ستيف فاينبرغ، الذي أيدها بسبب مخاوف من عدم قدرة صناعة الدفاع الأمريكية على إعادة تعبئة المخزونات بسرعة. ثم أعطى هيغسيث موافقته النهائية على القرار، معتقداً أنه يتماشى مع سياسة "أمريكا أولاً"، لكن هذه القراءة كانت خاطئة، خاصةً بعد أن أوضح ترامب لاحقًا أنه لا يريد منح روسيا "نصرا" في الحرب عبر وقف الدعم لأوكرانيا.
لم يُبلّغ البنتاغون الكونغرس بالقرار مسبقًا، وهو أمر غير مسبوق، لأن الكونغرس هو الجهة المسؤولة عن تمويل هذه الشحنات. وعندما بدأ النواب في طرح الأسئلة، حاول المسؤولون في البنتاغون تبرير الخطوة بأنها ضرورية بسبب نقص المخزونات، ولكن لم تُقدّم أدلة واضحة تدعم هذا الادعاء. وقال مصدر برلماني: "الكونغرس مستعد للتعاون إذا تم تقديم معلومات موثوقة عن أزمة حقيقية في المخزونات، لكننا لم نتلقَّ أي تحذيرات مسبقة".
وفي تطور لاحق، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن ترامب يفكر في إرسال منظومة "باتريوت" إضافية إلى أوكرانيا، وهي خطوة قد تكون الأولى من نوعها منذ توليه الحكم، وتتجاوز ما قدمته إدارة بايدن. كما أكدت مصادر أن ترامب يرفض فكرة منح روسيا "نصرا" في الحرب، خاصة بعد تدهور علاقته مع بوتين في الأسابيع الأخيرة. وقال ترامب بشكل واضح: "أوكرانيا كانت شجاعة للغاية، وكان على شخص ما أن يدير الأمور، والكثير من من أعرفهم لن يمتلكوا الشجاعة لذلك".