لا يزال كلام الموفد الأميركي إلى لبنان، توماس باراك، حول إلحاق لبنان ببلاد الشام ماثلاً في أذهان اللبنانيين، مقروناً بالتسريبات الإسرائيلية عن إلحاق طرابلس بسوريا تعويضاً لها عن الجولان، وهو ما يشكّل قلقاً وهاجساً جدّياً حول ما يُحاك للبنان داخل الدوائر العالمية، مما يستوجب وعياً لبنانياً حول الخطر الوجودي الذي يتهدّد الكيان اللبناني.
وهنا يعبّر الكاتب والمحلل السياسي جورج علم عن رؤية تشاؤمية، يتناولها في حديث لـ"ليبانون ديبايت"، حيث يرى أن المشهد اللبناني يتجه نحو مزيد من التعقيد، فما أُثير من كلام عن عودة لبنان إلى بلاد الشام هو تحذير، بمعنى أن يلتزم لبنان بالأفكار الأميركية وفي طليعتها حصر السلاح، ولكن في حال لم يلتزم لبنان، وليس بمقدوره أن يلتزم، طالما أن حزب الله يرفض تسليم سلاحه لحسابات إقليمية ولبنانية طبعاً.
ويوضح أنه إذا لم يتمكن لبنان من الالتزام، فهناك خشية فعلية من أن تُترجم الأفكار الأميركية على الأرض رغم إرادة الدولة، مستفيدين من واقع التفسخ الداخلي والتصدعات العميقة في البنية الوطنية، حيث لا يمكن تجاهل أن بيئة لبنانية تُبدي رفضاً متزايداً لاستمرار حزب الله في تمسكه بسلاحه، فالاستثمار - برأيه - بهذه البيئة الهشّة سهل جداً.
وينبّه إلى أن طرح ضم لبنان إلى بلاد الشام خرج لأول مرة من الإعلام الإسرائيلي، ويتناول المعلومات عن مفاوضات غير مباشرة جرت بين إسرائيل وحكومة أحمد الشرع، حيث طالب الأخير باستعادة ثلث الجولان، فقوبل طلبه بالرفض، وعُرضت عليه “بدائل” تشمل عكار وطرابلس في لبنان، وأكد علم أنه “حتى اللحظة، لم يصدر أي موقف رسمي لبناني رافض لهذا الكلام، باستثناء بعض التلميحات في الصحف، ولكن من دون أي تعليق رسمي”.
ويلفت إلى مشروع تفتيت كيانات جديدة في المنطقة، وفق ما يخطط له بنيامين نتنياهو، مدعوماً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقوم على تفتيت الكيانات وتحويلها إلى دول متصارعة لها ثقافات وطوائف متعددة، مشيراً إلى ما يحصل في سوريا، وخصوصاً في شمالها، من تعقيدات تتعلّق بالمكون الكردي، وانكفاء حزب الاتحاد الديمقراطي عن تسليم سلاحه، فما الذي سيحصل للأكراد، إضافة إلى الدخول التركي في المشهد السوري.
وإذ يسأل عن احتمال أن يسلَم لبنان مما يحصل، وانعكاس كل ذلك على الخريطة الجغرافية السورية، يؤكّد أنه يسلَم في حال واحدة، وهي أن تكون هناك وحدة وطنية حقيقية، وإذا حصل تفاهم جدّي بين حزب الله والحكومة حول "اليوم التالي".
ويضيف: “إذا تمكّنا من تثبيت وحدة الموقف الوطني، يمكن الحفاظ على صيغة 10452 كلم مربع، أما إذا استمر الواقع على ما هو عليه اليوم، فباعتقادي إن البيئة اللبنانية التي لديها ملاحظات على سلاح حزب الله تشكّل أرضاً خصبة لكل مشاريع التفتيت”.
أما عن احتمال أن يشكّل سحب السلاح من الحزب تهديداً للأقليات، لا سيّما للمسيحيين والشيعة أمام التسونامي الآتي من سوريا وتركيا، فيؤكد علم أن حزب الله لا يستطيع القيام بهذه المهمة، لكن إذا كانت هناك وحدة وطنية حقيقية، ويُصار إلى تفاهم على السلاح ليُوضَع ضمن استراتيجية دفاع وطني جامعة، عندها يمكن الدفاع عن لبنان سواء من إسرائيل أو حتى من سوريا أو أي جهة تشكّل تهديداً له.
وأضاف: “اليوم، حزب الله يرفض تسليم سلاحه، وقد تكون لديه ذرائع أمنية أو حسابات استراتيجية لا بد من احترامها، ولكن في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، المباشر وغير المباشر، واستمرار الاحتلال لأراضٍ لبنانية، ولو كان الحزب قادراً على ردع العدوان لكان واجهه، لكنه يعلم تماماً أنه إذا أطلق النار على إسرائيل فإن الخسائر ستكون كبيرة أكثر فأكثر، وتتعدى تدمير الضاحية إلى تدمير البنى التحتية”.
وإذ يعتبر أن تمسّك الحزب بسلاحه خارج أي مظلة وطنية شاملة، يُبقي لبنان في حالة هشاشة سياسية وأمنية دائمة، يرى أن معادلة الردع القائمة اليوم هشّة، ولا يمكن اعتبارها كافية لحماية السيادة اللبنانية، بل قد تُستخدم ذريعة إضافية لإسرائيل لضرب لبنان بشكل أوسع.
وأكد أن “المدخل الأساس لتحصين لبنان هو التفاهم الداخلي الجاد حول المخاطر المحدقة، وأن يكون حزب الله جزءاً من استراتيجية دفاع وطنية واضحة ومُعلنة. خارج هذا الإطار، فإن كل المواقف المتفرقة التي نسمعها، سواء من الداخل أو الخارج، لا تُبني لا استراتيجية ردع، ولا مقاومة لبنانية جدّية”.
ويتطرّق إلى ما يسميه البيئة المفخخة، إن لجهة انتشار المخيمات سواء الفلسطينية أو مخيمات النازحين السوريين، كما أن تفشي السلاح غير الشرعي، ووجود بؤر مخابراتية وميليشيوية في أكثر من منطقة، يُعزز من هشاشة الداخل اللبناني، ويُضعف قدرة الدولة على حماية نفسها من التهديدات الخارجية.
وختم قائلاً: “نعم، التهديد الإسرائيلي لا يزال قائماً ومتصاعداً، ويُراكم أطماعه الجغرافية والاستراتيجية تجاه لبنان. لكن مواجهته لا تتم إلا بوحدة وطنية جدّية، تقوم على تفاهم فعلي بين مكونات الدولة والمجتمع، تُعيد لحزب الله موقعه الطبيعي ضمن الدفاع الوطني، وإلا، فإن ما يُحكى عن أخطار وجودية للبنان قد يتحوّل إلى واقع يصعب تداركه”.