تحاول “القوات” دفع الجميع إلى الزاوية، مستندة إلى موقف أميركي واضح بالتصعيد عبّر عنه الموفد المؤقت إلى لبنان، توم براك، في تغريدته الشهيرة نهاية الأسبوع الماضي. ألقى برّاك بالكرة في ملعب الحكومة، داعياً إياها إلى اتخاذ قرار في ما يخص السلاح. تلك التغريدة شكّلت "أمر عمليات" دشّن التصعيد في وجه الدولة.
تعتقد معراب أن نقل ملف سلاح حزب الله إلى طاولة مجلس الوزراء، يُعدّ ترجمةً حرفية للموقف الأميركي، وأنها بذلك تؤدي دور الشريك في "الضغط". يأتي ذلك مدفوعاً بقوّة أنها تشكّل أحد أهم المكونات الأساسية في الحكومة. إلى جانب ذلك، تسعى “القوات” إلى إظهار نفسها كجهة لا تساوم في ملف السلاح، بعكس سواها، وتعتبر أن المسّ به لم يعد من المحرّمات، حتى وإن أدى إلى صدام أهلي. لكنها وفي نفس الوقت، تراهن، على أن الطرح عبر مجلس الوزراء سيدفع الجميع إلى تقدير خطورة اللحظة، وتجنّب الانزلاق نحو مواجهات، باعتبار أن المعطيات الداخلية تغيّرت ولم يعد في مقدور الحزب وحلفاؤه تفجير الوضع.
على هذا النحو، لا بد من الإشارة إلى أن القوّات تلعب لعبة خطرة على حافة الهاوية، من دون تقدير حقيقي للكلفة المحتملة. وهي تراهن على نتائج غير محسومة، ومن دون أي احتساب لتأثيراته. بل وتخالف في ذلك موقف كلّ القوى الأخرى، بلا استثناء.
مع ذلك، تدرك “القوات” – وإن كانت لا تعلن – أن طرح ملف السلاح بهذه الطريقة قد يدفع “الثنائي الشيعي” إلى مزيد من التشدد، إذا شعر بأنه يُستدرج إلى “كمين حكومي” لمناقشة ملف يعتبره وجودياً.
في هذا السياق، ثمة رأيان يتصدران مقاربة “الثنائي” لهذا الطرح، في حال حصل:
الرأي الأول يدعو إلى مقاطعة أي جلسة حكومية يُدرج على جدول أعمالها بند “حصر السلاح”، انطلاقاً من استخدام الفيتو الميثاقي لتعطيل المسار. ويستند هذا الرأي إلى أن رئيس الجمهورية ليس في وارد تبنّي الطرح. وقد أبلغ موقفه هذا مباشرة إلى براك، وربطه بخشيته من انفجار داخلي. كما أن رئيس الحكومة نال تحذيراً "ناعماً” من رئيس مجلس النواب نبيه بري في الاتجاه نفسه حين طرح عليه فكرة عقد جلسة لمجلس الوزراء تناقش السلاح على هامش لقائهما الأخير. وبما أن رئيسَي الجمهورية والحكومة يشتركان في إعداد جدول الأعمال، فإن تمرير هذا البند يبدو صعبًا.
الرأي الثاني يدعو إلى المشاركة في الجلسة حتى وإن تضمّنت البند الخلافي، والتعبير داخلها عن موقف معارض حاد. وإذا أصرّ الداعمون على المضي في طرح القرار على المناقشة أو التصويت، ينسحب وزراء “الثنائي” من الجلسة، لا بغرض إسقاط النصاب – وهو غير مضمون – بل لتسجيل اعتراض باسم الطائفة. ذلك أيضاً يشكل لعبٌ على الحافة، كما يفعل جعجع، لكن مع تسجيل موقف يعكس دعم الدولة ولكن لا على طريقة “التشفي منها”.
في المقابل، تستعد “القوات” لمواجهة أي موقف مشابه. مصادر قريبة منها تشير إلى إصرار معراب على إدراج بند “حصر السلاح” على جدول أعمال الحكومة في أقرب جلسة ممكنة، مدفوعة بالدعم الأميركي الصريح. ويُقال إن هذا التحرّك يتقاطع مع حراك دبلوماسي موازٍ أميركي-فرنسي-سعودي، يضغط بالاتجاه نفسه. وقد عبّرت “القوات” عن هذا الخيار بوضوح، على لسان عدد من نوابها ووزرائها مؤخراً، مشددة على أن لحظة مناقشة مصير السلاح في مجلس الوزراء قد حانت.
يبدو أن معراب مستعجلة، لأسباب تتعلق بالإيقاع الأميركي المتسارع، وهي مسكونة بمدى قدرة “الحزب” على كسب الوقت والتنصل من الضغوطات. وتعتبر أن اللحظة الراهنة هي الأفضل لفرض الطرح. ولعلّ أخطر ما في الأمر هو ما عبّر عنه سمير جعجع بوضوح تام، عبر صحيفة “الشرق الأوسط”، حين لوّح باحتمال بالحرب كسبيل لحل النزاع، ملمّحًا إلى إمكانية الاستفادة من الحرب الإسرائيلية لنزع سلاح “حزب الله”، في تصريح وصفه البعض بـ”الوقح”، لأنه يتحدث عن الاستفادة من آلة الحرب في قلب التوازنات الداخلية، لا فقط في تفكيك البنية العسكرية للحزب.
من هنا، تبدو المواجهة التي تدفع إليها “القوات” جدية. فإذا لم يتم إدراج بند “حصر السلاح” على جدول الأعمال، قد تتجه إلى مقاطعة جلسات الحكومة – من دون الاستقالة – للضغط من أجل إدراجه، ومن أجل رفع سقفها السياسي تجاه العهد والحكومة. كلّ ذلك يجري ضمن تصعيد سياسي متسارع، يستهدف العهد ومكوّناته، بالتوازي مع قرار أميركي على ما يبدو، يقضي باللجوء إلى “أساليب أخرى” لدفع الدولة اللبنانية إلى الإمتثال.