لطالما استخدمت إسرائيل ما يمكن وصفه بـ"القبة الحديدية اللفظية" لصد أي انتقاد موجه إليها عبر اتهام المنتقدين بمعاداة السامية. وإذا لم يكن هذا السلاح كافياً، فإن صندوق الأدوات الدعائية يفتح على مصطلحات أخرى مثل "الهولوكوست" أو الإشارات المرتبطة بها.
هذا النظام من الردود الجاهزة يحلّ محل النقاش الموضوعي للادعاءات المشروعة حول السياسات الإسرائيلية. وبذلك، يشعر السياسيون والدبلوماسيون والمتحدثون الرسميون بأنهم في غنى عن إعادة النظر في قراراتهم أو الاعتذار عنها عند الضرورة.
بحسب مقال رأي نشرته صحيفة "هآريتس" الإسرائيلية، فإن الاستخدام المفرط لتهم "معاداة السامية" و"الهولوكوست" بات تكتيكاً تضليلياً يضعف الانتقادات الموجهة لسياسات إسرائيل، وفي الوقت ذاته يضرّ بالنضال الحقيقي ضد معاداة السامية، إلى درجة أنه يُبدد ذكرى المحرقة التي كان يفترض أن تكون حصناً ضد التمييز والكراهية.
الكاتب يشير إلى أن الإفراط في هذه الأساليب الدعائية لا يخدم المصالح الإسرائيلية بل يسيء إليها، إذ يتورط فيها ليس فقط المسؤولون الرسميون بل أيضاً الرأي العام ووسائل الإعلام داخل إسرائيل. وكلما واجهوا انتقادات أو عداءً، سارعوا إلى اتهامات جاهزة بمعاداة السامية أو استحضار صور الهولوكوست، وهو ما يؤدي عملياً إلى تفريغ هذه المصطلحات من قيمتها التاريخية والأخلاقية.
ويخلص المقال إلى التذكير بالتعريف الحقيقي لمعاداة السامية: التحيز ضد اليهود لكونهم يهوداً، وما ترتب على ذلك من تمييز واضطهاد بلغ ذروته في الحقبة النازية حين اعتُبر اليهود "عدواً أبدياً" يجب إبادته. وهنا يعيد الكاتب التذكير برؤية ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، الذي تصوّر الدولة اليهودية كحل يضمن لليهود العيش بأمان بعيداً عن مجتمعات طبعت معاداتها للسامية مسار التاريخ.