في هذا الإطار، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام الصدر أبعد من مسألة حسم خيار "الثنائي" بتسليم السلاح، فهو يحتج ضمنًا على الانقلاب على التفاهم الذي كان قائمًا، والذي أخلّ به رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.
ويلفت إلى أمر هام، وهو أن الرئيس بري يفهم الدولة على أنها مجموعة مكوّنات تحت سقف الدولة، وليس دولة ومؤسسات فقط. لكن أحدهم قد أخلّ بهذه القاعدة وتقاليدها وخطوطها الحمر، وهو ما يعني أن الإخلال بهذا الاتفاق سيدفع إلى الإخلال بالاتفاق الكبير، أي اتفاق الطائف، من خلال المطالبة بحوار وطني لا يقتصر على مسألة السلاح فقط، بل يشمل كل شيء، ومن ضمنه اتفاق الطائف وتنفيذه.
فالمسألة تتجاوز هنا، وفق بيرم، مسألة السلاح، وتمرير القرار المتعلق به لن يُسكت "الثنائي" عنه، وبالطبع سيردّ، والرد سيكون من خلال ثلاثة أمور:
الدعوة إلى حوار يعرف الرئيس بري تماماً أنهم لن يتجاوبوا معه، وسبق أن أعلنوا ذلك مراراً، لكنه يرمي عليهم "الحجة".
رفض فكرة رمي كرة النار في حضن الجيش، مذكراً بطريقة غير مباشرة بأنه هو من حافظ على الجيش منذ العام 1982، وما فعلوه هو خطأ كبير، فـ"الثنائي" لن يذهب إلى "مشكل" مع الجيش.
من أوجد المشكلة عليه أن يحلّها، وعليهم إيجاد السلم للنزول عن الشجرة التي صعدوا إليها. فأنتم من اتخذ هذه القرارات، وبالتالي عليكم أن "تُدبّروا راسكم" كيف ستتخلصون من تبعاتها. وبالتالي، لم يتحدث عن خطوات لحل المشكلة، بل تحدث عن شروط "الثنائي"، وعلى الفريق الآخر أن يجد الآلية للحل، إما من خلال الحوار، أو رفض المقاطعة، أو عدم التصادم مع الجيش.
فهذا الخطاب، الذي يُصنّف ضمن أقصر خطابات الرئيس بري، كان خطاباً مكثفاً يحمل رسائل مبطنة. وإن بدا خطاباً ناعماً وهادئاً بالشكل، إلا أنه كان في مضمونه صعباً جداً، بحيث أعلن أنه لا يمكن القبول بنزع السلاح بهذه الطريقة أو حتى تشويهه، لا سيما بالتعبير الدقيق الذي استخدمه: "السلاح هو عزّنا وشرفنا"، وهو تعبير لم يستخدمه من قبل، بما يدل صراحة أنه لا مجال للمحاولة بنزع السلاح كما تبغون.
ويوضح أن الرئيس بري يرتكز، على ما يبدو، على أوراق قوة برزت مؤخراً، منها تصدع جبهة الحكم، والتي تمثلت بكتلة الرئاستين الأولى والثالثة، حيث تصدعت على ما يبدو. فرئيس الجمهورية، بعد القرارين المتعلقين بحصرية السلاح والورقة الأميركية، سارع إلى التواصل مع "الثنائي"، ولكن لم يقبل "الثنائي" بمكونيه الحديث بدون التراجع عن القرارين.
كما يتوقف في هذا الإطار أمام كلام الوزير طارق متري، الذي لا يمكن المرور عليه مرور الكرام. فهذا الكلام مؤشّر على تصدع جبهة الحكم التي أمّنت إصدار القرارين الخاطئين، وما اعترف به الوزير متري عن التسرع باتخاذ القرارين هو صحيح، تحت وطأة الداخل والخارج.
كما يعتبر كلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الأخير تحوّلاً، وإن كان مفعوله نظرياً، إلا أنه تحول بحد ذاته، وتحديداً وصفه كلام أمين عام حزب الله بـ"المحق". فعدم الحصول على أي ضمانة أو تعهد من أميركا هو فشل للحكم، لأن الرهان على قدرته على الحصول على ضمانة قد سقط.
وخلاصة خطاب بري ترتكز على عدم المسّ بالسلاح بدون حوار وضمانات دولية، وسط تأكيده على أنه ليس بوارد طرح الحل، بل على الحكم إيجاده يوم الجمعة المقبل، والذي برأيه ستُعرض خلاله خطة غير قابلة للتنفيذ، إلى أن يأتي يوم يصبح فيه هناك إجماع سياسي.
لكن ضمنًا، "الثنائي" ليس بوارد الاعتراف نهائيًا بالقرارين الصادرين عن الحكومة في يوم من الأيام، وذكر في هذا الإطار ببيان حركة أمل عند صدور القرارين بالدعوة إلى "تصحيح الخطأ"، أي العودة عن القرارين. والرئيس بري، برأيه، أعدّ خارطة طريق واضحة لإخراج الحكم من أزمته.
ويلفت بيرم، إلى أن "الثنائي الشيعي" على قناعة بأن ثنائي الحكم، أي الرئاستين الأولى والثالثة، ليسا مرتاحَين، بل إنهما مأزومان مثل الآخرين، فـ"الكل مأزوم" في البلد.