تشير أوساط مطلعة لـ "ليبانون ديبايت"، إلى أنّ سلسلة من الاتصالات السياسية والأمنية سبقت الجلسة بساعات، اتسمت بطابعها العاجل والحاسم. فقد دخلت دوائر القرار في سباق مع الوقت لاحتواء اندفاعة رئيس الحكومة نواف سلام نحو التصعيد، وهي اندفاعة رُبطت بشكل وثيق بضغوط خارجية، لا سيما أميركية وأوروبية، أكثر مما كانت انعكاساً لمتطلبات الداخل. وهنا لعب كل من رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومعهما قائد الجيش العماد رودولف هيكل، دور "صمام الأمان" في إعادة تبريد الأجواء، منعًا لانفجار حكومي قد يجر البلاد إلى مرحلة أشد تعقيدًا.
وترى الأوساط أنّ المقارنة بين جلسة الخامس من آب وجلسة الخامس من أيلول تختصر المسار السياسي الراهن. ففي آب رضخت الحكومة عمليًا لشروط وضغوط أميركية، وهو ما فسّر إبقاء الملفات مفتوحة من دون حسم. لكن مع تصاعد النقمة الشعبية في الداخل، وجدت نفسها في أيلول أمام واقع مختلف فرض عليها التراجع خطوة إلى الوراء وإظهار ليونة أكبر تجاه الشارع. هذا التحوّل لم يأتِ من قناعة ثابتة، بل من براغماتية باردة تسعى للحفاظ على التوازن الدقيق بين الخارج الضاغط والداخل الغاضب.
وتشدد على أنّ المؤسسة العسكرية شكّلت خلال هذه المرحلة الميزان الحقيقي للدولة. فالجيش لم ينخرط في لعبة المساومات السياسية، بل حافظ على موقعه كحامٍ للدستور والشرعية، رافضًا أن يُزَجّ في معارك داخلية. بل إنّ إدارته للملف الأخير أعادت رسم الحدود الفاصلة بين "وظيفة الجيش" و"مغامرات السياسيين"، مؤكدة أنّ مهامه تقتصر على حماية الأرض والسيادة والمواطنين، فيما يبقى القرار السياسي بيد السلطة التنفيذية والتشريعية.
وتلفت إلى أنّ الحكومة ومعها القوى المؤثرة في المشهد اللبناني، تعي أنّ أي خطوة جذرية في الملفات الكبرى ـ وعلى رأسها قضية سلاح المقاومة ـ ستبقى مؤجلة. ذلك أنّ اللاعبين المحليين يربطون حساباتهم بموازين القوى الإقليمية والدولية، وبما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات أو المواجهات الدائرة على أكثر من جبهة، من غزة إلى مضيق هرمز. وبالتالي فإن "التباطؤ" في اتخاذ قرارات مصيرية ليس دليلاً على الشلل، بل يعكس رهانًا على تبدلات مرتقبة قد ترسم خطوط مرحلة جديدة.
وتكشف الأوساط أنّ النقاش داخل مجلس الوزراء لم يُخرج أي طرف عن ثوابته الجوهرية: المقاومة تبقى خطًا أحمر لا يُمسّ. فالتجارب المرة السابقة، من عدوان تموز 2006 إلى محاولات الضغط الاقتصادي والسياسي الأخيرة، أثبتت أنّ أي محاولة لتجريد لبنان من عناصر قوته تؤدي إلى إضعافه وتعريضه لابتزاز أكبر. ومع ذلك، لا يمكن إغفال وجود أصوات معارضة، التي تطرح علنًا مسألة نزع السلاح، لكنها تبقى في موقع الأقلية ضمن التوازنات الحالية.
أما الرسالة الأوضح التي خرجت من الجلسة، فهي موجهة إلى واشنطن بالدرجة الأولى: لا نقاش في مسألة السلاح ولا تسليم به. هذا الموقف لم يكن وليد اللحظة، بل جرى التفاهم عليه مسبقًا بين غالبية المكونات الأساسية، بهدف تفويت أي فرصة على الولايات المتحدة أو غيرها لاستدراج لبنان إلى صدام داخلي قد يكون مدمّرًا.
وتختم الأوساط بالقول إنّ البلاد تدخل عمليًا مرحلة مفصلية ستشهد محاولات لرسم "قواعد اشتباك جديدة". فإما أن تأتي هذه القواعد نتيجة تفاهمات إقليمية ودولية، أو بفعل ضغوط مباشرة تُمارَس على الحكومة والجيش والمقاومة. لكن الثابت أنّ أي تسوية لن تمرّ على حساب موقع الجيش كضامن للاستقرار، أو دور المقاومة كجزء من معادلة الردع. وهذا ما شكّل جوهر المعادلة التي ثُبّتت في جلسة الأمس، لتكون بمثابة "خطوط حمراء" للمرحلة المقبلة.