ويرى الكاتب والمحلل السياسي نضال السبع أنّ الحراك الدولي المتجدد تجاه لبنان، والذي تقوده كل من السعودية وفرنسا والولايات المتحدة، بات يركّز بصورة أساسية على ملف سلاح حزب الله، بعد أن كان عنوانه في مراحل سابقة محصوراً بالانتخابات الرئاسية. ويوضح أنّ زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى بيروت، بالتوازي مع المساعي الفرنسية والأميركية، تعكس توجهاً واضحاً لدفع هذا الملف إلى الواجهة، مؤكداً أنّ الدولة اللبنانية تُبدي في المقابل استعداداً للتعاون مع المجتمع الدولي، انطلاقاً من قرارها الأخير الذي يستند إلى اتفاق الطائف والقرار 1701.
ويشير السبع إلى أنّ المجتمع الدولي منح لبنان مهلة حتى نهاية العام الحالي لإنجاز خطوات ملموسة في هذا الإطار، محذّراً من أنّ فشل الدولة في التوصل إلى تفاهمات مع حزب الله قد يفتح الباب أمام تدخل إسرائيلي، خصوصاً أنّ التجارب أثبتت أنّ إسرائيل قادرة على خوض أكثر من معركة في وقت واحد، خلافاً لما يُروّج حول محدودية قدراتها. ويذكّر بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد أعلن منذ السابع من تشرين الأول عن مشروع “تغيير وجه الشرق الأوسط”، وهو ما انعكس تحولات كبيرة في سوريا وغزة ولبنان وحتى إيران.
وعن دور الجيش اللبناني، يشدّد السبع على أنّ المؤسسة العسكرية هي الجهة الوحيدة المخوّلة دستورياً بضبط السلاح، ولذلك فإنّ دعمها وتعزيز قدراتها يشكّل شرطاً أساسياً لإنجاح أي مسعى داخلي أو خارجي. ويلفت إلى أنّ باريس تدرس عقد مؤتمر دولي مخصص لدعم الجيش، بالتعاون مع قطر التي رفعت في الآونة الأخيرة حجم مساعداتها للمؤسسة العسكرية، فيما تبدي السعودية اهتماماً واضحاً بهذا الملف، في حين يستمر الدعم الأميركي التقليدي. وأكد أنّه لا يمكن لقطر أن تتحمّل هذا العبء منفردة، بل لا بد من انخراط خليجي ودولي أوسع.
وفي ما يتعلّق بالمخاوف من احتمال انقسام الجيش، يستبعد السبع تكرار سيناريوهات الانشقاق التي شهدتها المؤسسة في أعوام 1975 و1983 و1984 وفي عهد الرئيس ميشال عون، مشيراً إلى أنّ تلك التجارب كانت مرتبطة بظروف إقليمية خاصة ودعم مالي خارجي لم يعد متاحاً اليوم، خصوصاً مع العجز الإيراني عن تمويل حالات مشابهة.
ويوضح أنّ الدولة اللبنانية تجد نفسها اليوم أمام استحقاق بالغ الحساسية. فوفقاً للدستور المنبثق عن اتفاق الطائف، وقرارات الشرعية الدولية، ولا سيما القرار 1701، تقع على عاتق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة مجتمعة مسؤولية الالتزام بالتعهّدات التي قدّمتها بيروت للمجتمع الدولي، وعلى رأسها معالجة ملف السلاح خارج إطار الدولة. وقد استند القرار الحكومي الأخير إلى ثلاث أو أربع نقاط أساسية تؤكد هذا التوجّه.
وينبّه إلى أنّ المهلة الممنوحة للبنان، والمحدّدة حتى نهاية العام الجاري، تضع البلاد أمام اختبار حاسم: ففي حال عجزت الدولة عن التوصل إلى تسوية مع حزب الله بشأن سلاحه، يبقى احتمال التدخل الإسرائيلي وارداً. البعض يذهب أبعد من ذلك، محذّراً من أنّ إسرائيل قد تلجأ إلى عمل عسكري حتى قبل انتهاء حرب غزة، إذ أثبتت التجارب السابقة أنّ الجيش الإسرائيلي خاض معارك متزامنة على أكثر من جبهة في غزة ولبنان وسوريا واليمن، من دون أن يمنعه ذلك من تنفيذ عملياته.
وبالتالي، يشدد على أنّ السردية القائلة بعدم قدرة إسرائيل على خوض حربين في آن واحد لم تعد دقيقة. بل على العكس، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منذ السابع من تشرين الأول، رفع شعار “تغيير وجه الشرق الأوسط”، وقد نجح بالفعل في إحداث تحولات كبرى في سوريا وغزة ولبنان وحتى في إيران. ومع اقتراب الذكرى الثانية لذلك التاريخ، يتبيّن أنّ الوضع الإقليمي دخل مرحلة جديدة بالكامل.
في هذا السياق، يُرجّح أن تسعى الدولة اللبنانية، عبر رئاسة الجمهورية والحكومة، إلى التوصل مع حزب الله إلى تفاهمات جزئية، مثل تسليم السلاح الثقيل كالمسيّرات والصواريخ بعيدة المدى، أو التفاوض بشأن السلاح الخفيف. لكن في حال فشل هذه المفاوضات، يبقى سيناريو التصعيد الإسرائيلي مطروحاً بقوة، وهو ما يضع لبنان أمام مفترق طرق مصيري بين التفاهم الداخلي أو الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.