وفي حديثٍ إلى "ليبانون ديبايت"، يرى الكاتب والصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي اللبناني، عماد الشدياق، أن "خدمة "ستارلينك" تُعدّ من حيث المبدأ حاجة حقيقية للبنان، فهي من أبرز الشركات العالمية في مجال الإنترنت، وقد سعينا منذ سنوات لإدخالها، لكن من الخطأ تصويرها كبديل عن الإنترنت التقليدي، إذ إنها تُعدّ خدمة رديفة يمكن الاستفادة منها في حالات الطوارئ أو عند انقطاع الشبكة الأرضية، لكنها ليست أسرع من شبكة الفايبر أوبتيك، ولا أكثر استقراراً، بل تتأثر بالعوامل الجوية، كما أن كلفتها مرتفعة نسبيًا ولا يستطيع المواطن العادي تحمّلها (تُقدّر بنحو 100 دولار شهرياً)".
ويؤكّد الشدياق أن "الأولوية اليوم هي لتطوير شبكة الفايبر أوبتيك، باعتبارها التكنولوجيا الأحدث والأكثر أمانًا واستدامة على المدى الطويل، في حين يمكن استخدام "ستارلينك" كخط احتياطي للطوارئ أو الحروب، كما هو حاصل حالياً لدى بعض الأجهزة الرسمية التي تعتمدها كحل بديل في بعض الحالات".
ويتابع: "المشكلة لا تكمن في وجود "ستارلينك" بحدّ ذاتها، بل في الطريقة التي تمّ فيها تمرير التلزيم، والتي بدت وكأنها تتم بشكل مستعجل أو حتى أشبه بـ"التهريب"، في وقت يتم فيه تعطيل مشاريع الفايبر أوبتيك التي تنفذها شركات لبنانية بالشراكة مع وزارة الاتصالات، وهي مشاريع ممولة من القطاع الخاص، على أن تعود ملكيتها لاحقاً إلى الدولة اللبنانية وفق آلية تضمن لها الحصول على نصف الاشتراكات من البداية، ومع ذلك، توقفت هذه المشاريع بسبب رفض الوزير المعني توقيع الموافقات اللازمة، في وقت سمح لشركة واحدة محددة (مرتبطة به) بتركيب الفايبر أوبتيك في مناطق معيّنة".
ويلفت الشدياق إلى أن "هذا الواقع يثير شبهة تضارب مصالح، خصوصاً إذا وُجد ربح مباشر أو غير مباشر من استعجال دخول "ستارلينك" وتعطيل مشاريع الفايبر أوبتيك. المطلوب أن تعمل وزارة الاتصالات وفق مصلحة الدولة اللبنانية العليا، وأن تسير في خطين متوازيين، اعتبار الفايبر أوبتيك أولوية استراتيجية وطنية، واعتماد "ستارلينك" كخدمة رديفة، بدل اتباع سياسة استنسابية تصبّ في مصلحة جهات معيّنة".
ويضيف: "المشروع متوقّف منذ أكثر من ثمانية أشهر، وقريباً سيكمل عامًا كاملاً من الجمود. فمنذ تشكيل هذه الحكومة، لم يوقّع الوزير على أي من الخطط أو المشاريع المطروحة، بينما الناس ما زالت تنتظر تحسين خدمات الإنترنت. ويجب التوضيح أن "ستارلينك" لا تقدّم حلاً سحريًا، فهي تعمل داخل المكاتب والمنازل، لكنها غير فعالة على الطرقات أو في الأماكن العامة، ما يعني أن المواطنين سيبقون خاضعين لشركات الاتصالات التقليدية، وأن جودة الإنترنت لن تتغيّر جذريًا كما يُروّج لها".
ويتابع موضحًا: "في الوقت الراهن، تخدم "ستارلينك" الشركات بشكل أساسي، وربما تصل لاحقًا إلى الأفراد، لكن هذا الانتقال سيأخذ وقتاً طويلاً، وهذه المقاربة لا يمكن قبولها، إذ يجب أن تكون الخدمة متاحة لجميع المواطنين وفي مختلف المناطق، لا أن تكون محصورة أو محدودة النطاق".
ويختم الشدياق بالقول: "نرفع شعار أن لبنان بلد سياحي، لكن كيف يمكن لبلد يدّعي استقطاب السياح والمستثمرين أن يفتقر إلى إنترنت سريع وموثوق؟ الإنترنت ليس رفاهية، بل ضرورة ومحفّز أساسي للاقتصاد، السائح يحتاجه، المواطن يحتاجه، وأي فكرة أو مشروع ناشئ قد ينطلق من خلاله، الإنترنت السريع يوفر وقتًا وجهدًا وكلفة تنقّل، ويختصر المسافات، ويفتح آفاقًا جديدة، لذلك، المطلوب اليوم هو رؤية شاملة توازن بين مصلحة الوطن والمواطن، وتُخرج هذا القطاع من الحسابات الضيقة والقرارات المرتجلة".