عندما وصلت مهسا أميني إلى طهران في يوم حار من أواخر الصيف قبل ثلاث سنوات، لم تكن تتوقع أن مصيراً مأساوياً سيغير مجرى حياة بلد بأسره. أميني، البالغة من العمر 22، اعتُقلت من قبل ما يُعرف بـ"شرطة الأخلاق" بسبب خصلة شعر ظاهرة تحت غطاء الرأس، وتعرّضت للضرب أثناء الاحتجاز قبل أن تُنقل إلى سيارة شرطة وتلفظ أنفاسها لاحقًا في ظروف أثارت كثيرًا من الشكوك والجدل داخل إيران وخارجها.
أدت وفاة أميني إلى اندلاع موجة احتجاجات واسعة انتشرت كالعاصفة عبر المدن الإيرانية، وتحولت بسرعة من غضب على حادثة محددة إلى حركة وطنية واسعة عُرفت باسم "حركة مهسا" أو شعارها الشهير: «المرأة ـــ الحياة ـــ الحرية».
بدأت المطالب بالعدالة لوفاة أميني، ثم اتسع نطاق المطالب ليتضمن حقوق المرأة، الحريات العامة، والإصلاح السياسي، ووصلت دعواتٌ إلى محاسبة مسؤولين عن ممارسات قمعية استمرت عقودًا.
على الصعيد الاجتماعي، كانت نتائج الحركة سريعة وواضحة على مستوى الممارسات اليومية: تحدّى عدد متزايد من النساء قواعد اللباس الإلزامي، وارتدت فساتين ملونة وسراويل جينز وظهرت في الأماكن العامة بلا حجاب في مشاهد كانت حتى وقت قريب تعدّ من المحظور.
قالت ناشطات ومحاميات إن الأمر لم يكن مجرد رفض لقطعة قماش، بل رفض لآلية دولة تفرض سيطرتها على أجساد النساء وخياراتهن، ما يؤثر على حياتهن العملية والتعليمية والاجتماعية.
مع ذلك، تحقّق هذه "الانتصارات" الجزئية بثمن دموي: تفيد تقارير مستقلة بأن أكثر من 500 متظاهر قُتلوا في الأشهر الأولى من الاحتجاجات، كما أُصيب الآلاف واعتُقل عشرات الآلاف. ونقلت تقارير عن تنفيذ أحكام إعدام بحق ما لا يقلّ عن 12 شخصًا بسبب دورٍ يُزعم أنه في المظاهرات، بينما يورد ناشطون مزاعم تعرض معتقلين للضرب والاعتراف تحت التعذيب.
ردّات الفعل الرسمية تباينت؛ فقد حاول النظام القمعي استعادة السيطرة عبر قوة الأمن وتشديد القوانين. في 2023 أقرّ البرلمان مشروع قانون للحجاب والعفة يقضي بتشديد القيود، لكن الضغوط الشعبية أجبرت الحكومة على تأجيل تطبيقه.
وفي المقابل، اعتمدت السلطات تقنيات مراقبة متقدمة — وفق تقرير لبعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة — تشمل التعرف على الوجه والطائرات المسيرة ونُظم إبلاغ رقمي، في ما سُميت بخطة "نور" لتتبع مخالفات اللباس وتطبيق العقوبات.
وعلى الصعيد الثقافي والاجتماعي، تغيّرت الممارسات اليومية: شبان وشابات يتنقلون في الشوارع والمقاهي والأسواق بلا حجاب، وحالات تُروى عن نساء يعبران نقاط تفتيش أو يتعاملن مع مؤسسات عامة دون الالتزام الكامل بالزي المفروض.
لكن بنية القانون والمؤسسات لم تتبدل بالكامل. تقول ناشطات إن التغيير في المظهر لا يلغي الحاجة إلى تغييرات تشريعية وسياسية أوسع تشمل حرية التعبير، الإفراج عن السجناء السياسيين، والمساءلة عن الانتهاكات.
وتأتي صرخات النشطاء وصرخات الشارع في إطار حراك طويل الأمد لحركات حقوق المرأة داخل إيران امتدت عقودًا — من حملات التوقيع إلى مبادرات شبابية على الشبكات الاجتماعية — وقد اعتُبرت وفاة مهسا شرارة فجّرت هذا الترسب النضالي إلى سطح الأحداث.
وبينما يرى بعض المراقبين أن البنية النظامية لا تزال قوية وتتقن قمع المعارضة، يؤكد آخرون أن تجربة السنوات الثلاث الماضية أبدت تغيّرات اجتماعية عميقة تجعل العودة إلى ما قبل 2022 أمراً أقلّ احتمالاً بكثير.
ختامًا، تركت مهسا أميني علامة رمزية؛ على شاهد قبرها كتب أحدهم: "اسمك أصبح رمزًا". يبقى السؤال المفتوح: هل سيترسّخ ذلك الرمز في تغييرات مؤسسية حقيقية أم سيبقى نارًا تحت الرماد تنتظر انبعاثها في لحظة أخرى؟