لم تكد زيارة الوفد الرسمي السوري إلى نيويورك تبدأ، حتى تحولت إلى مادة جدلية واسعة على المنصات الرقمية. ففي الوقت الذي اجتمعت فيه وفود العالم على طاولة الجمعية العامة للأمم المتحدة، رافقت الزيارة موجة غير مسبوقة من الصور والمقاطع والادعاءات التي سرعان ما اجتاحت الفضاء الإلكتروني.
مشاهد جذبت مئات آلاف المتابعين وأطلقت سيلاً من التعليقات المتباينة؛ بعضها ذهب إلى حد اتهام الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني بالتورط في مواقف صادمة، فيما أعادت أخرى تدوير روايات قديمة في سياقات جديدة. الانتشار الكثيف للادعاءات جعلها تتصدر النقاشات على المنصات، ما دفع فريق "الجزيرة تحقق" إلى تتبع أبرزها، وإجراء تدقيق بصري وزمني وسياقي لفحص دقتها والوقوف على خلفيات انتشارها.
من بين أكثر الادعاءات إثارة للجدل، صورة متداولة قيل إنها توثق حضور الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني لخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داخل قاعة الجمعية العامة.
التعليقات المصاحبة للصورة حملت طابعاً تحريضياً وصل إلى حد القول: "من بقي ليستمع إلى خطاب سيده نتنياهو؟ مبروك على ثورتكم اليهودية أيها السوريون".
لكن التحقق البصري والزمني أظهر أن الصورة لا علاقة لها بخطاب نتنياهو، إذ تعود لمشاركة الوفد السوري في مؤتمر "حل الدولتين" الذي عُقد في القاعة نفسها بتاريخ 22 أيلول الجاري. وقد نشرت الصورة أصلاً على الحساب الرسمي للرئاسة السورية في اليوم ذاته، بينما أُلقي خطاب نتنياهو لاحقاً بعد أن كان الوفد السوري قد غادر نيويورك بالفعل.
الادعاء الثاني الذي اجتاح المنصات جاء عبر مقطع فيديو زُعم أنه يوثق مواجهة مباشرة بين سيدة أميركية والرئيس السوري داخل قاعة الأمم المتحدة. وبحسب الرواية المتداولة، صرخت السيدة متهمة الشرع بـ"الفشل في حماية شقيقتها المختطفة"، ما أضفى على المشهد طابعاً درامياً عزز من انتشاره.
لكن التدقيق كشف أن المقطع لا علاقة له بالوفد السوري ولا بالأمم المتحدة، إذ يعود إلى عام 2024 خلال فعالية نظمها "المجلس الأطلسي" في واشنطن، ويظهر فيه الأميركية إيما تسوركوف وهي تعترض على خطاب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مطالبة بإطلاق سراح شقيقتها إليزابيث تسوركوف المختطفة.
إعادة تدوير المقطع في هذا السياق جعل الأمر يبدو مرتبطاً بالزيارة السورية، لكنه في الحقيقة واقعة قديمة أعيد استغلالها ضمن حملة تضليلية.
أما الادعاء الثالث فحمل بعداً أكثر خطورة؛ إذ نشر المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية تكساس، ألكسندر دنكان، صورة مركبة للرئيس السوري إلى جانب صورة قديمة لمقاتل يحمل رأسين مقطوعين، مدعياً أن الرجلين هما الشخص نفسه.
وأرفق دنكان الصورة بتعليق ساخر قال فيه: "منحنا تأشيرة دخول لإرهابي يكره أميركا، لكي يتحدث في الأمم المتحدة.. هذا عار".
غير أن التحقق عبر البحث العكسي أظهر أن الصورة الثانية لا علاقة لها بالشرع مطلقاً، فهي تعود لمقاتل أسترالي سبق أن قاتل في صفوف تنظيم الدولة ونُشرت عام 2014 في تقارير إعلامية دولية.
وتوجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأحد الماضي، لحضور أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطوة هي الأولى من نوعها لرئيس سوري منذ عقود.