"ليبانون ديبايت" - محمد المدني
ما جرى تحت قبّة البرلمان في جلسة الأمس لم يكن مجرد تفصيل عابر، بل محطة كاشفة عن مستوى الخطاب السياسي في لبنان . فحين تناول النائب علي حسن خليل ملف الانتخابات بجدية، قوبل كلامه بالضحك والاستهزاء من بعض نواب "القوات اللبنانية" و"التغييريين"، في مشهدٍ بدا وكأنّه سقوط في هاوية الاستهتار، لا ممارسة للعمل الديمقراطي.
إن مجلس النواب ليس خشبة مسرح لتبادل النكات والتهكّم، بل منبر يُفترض أن يُدار فيه النقاش بأعلى درجات الرصانة. والاختلاف في الرأي أمر طبيعي، بل هو أساس العمل البرلماني، لكنه لا يبرر أبداً تحويل المداخلات الجدية إلى مادة للتسلية، ولا الاستهزاء بزميل يعبّر عن موقف سياسي. فما حصل كان قبل أي شيء قلة احترام، لا مجرد خلاف سياسي، وإضعاف لصورة المجلس كمؤسسة دستورية، قبل أن يكون مشادة عابرة بين عدة نواب.
واللافت أنّ ردّة الفعل هذه لم تُزعج خليل وحده، بل أثارت أيضاً امتعاض بعض النواب المستقلين الذين يختلفون معه جذرياً في السياسة، لكنهم رأوا فيما جرى تعدّياً على أصول العمل النيابي وإهانة لمقام المجلس.
وهنا تكمن المفارقة، فالخصوم السياسيون قد يتواجهون بشراسة، لكنّ الحد الأدنى الذي لا يجوز المسّ به هو الاحترام المتبادل. من دونه، يسقط النقاش في فوضى الاستهزاء ويتحوّل البرلمان من سلطة تشريعية إلى ساحة فوضوية.
الجدال الذي تلا الموقف بين خليل وعدد من النواب لم يكن سوى انعكاس لخلل عميق عنوانه غياب ثقافة الاحترام داخل المؤسسة الدستورية الأولى في البلاد.
والأخطر من ذلك، أنّ هذا السلوك يرسّخ في أذهان اللبنانيين صورة برلمان عاجز عن أن يكون قدوة في أدبيات الحوار، فيما يُفترض أن يشكّل نموذجاً يحتذى على مستوى المؤسسات الأخرى.
السياسة تحتمل المعارضة، بل تقوم عليها. لكنها لا تحتمل السخرية الممجوجة التي تطيح بالهيبة وتفرغ المؤسسات من قيمتها. ومن يضحك باستهزاء على زميله تحت القبة، إنما يضحك في الواقع على الناس الذين انتخبوا هذا المجلس وأعطوه شرعيته.
إنّ احترام المجلس واجب على الجميع، مهما بلغت حدّة الخصومة. أما الاستهزاء، فليس سوى اعتراف مبطّن بالعجز عن مواجهة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة.
الـــمــــزيــــــــــد
