لكن ما يحصل لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، إذ في وجه هذا التوجّه المريب، هناك رأي آخر أكثر منطقية وعدالة، يرى أنّ على القضاء العسكري أن يتشدّد في محاكمة فضل شاكر، لا بدافع الكيدية، بل ليكون عبرةً لكل فنانٍ أو مؤثّر قد يظنّ أنّ شهرته تضعه فوق القانون.
ففضل شاكر، الذي كان يتمتّع بشهرة واسعة وتأثير كبير على جيلٍ كامل من الشباب، استخدم نجوميته في الاتجاه الخاطئ، حين حرّض ودعا وشارك بالفعل أو بالنية في أعمالٍ استهدفت الجيش اللبناني. وهذا وحده كافٍ ليُعامل بأقصى درجات الحزم.
ما قام به شاكر ليس تفصيلاً، بل مجموعة من الجرائم التي لا يجوز التساهل فيها، خصوصاً أنّها جاءت في مرحلة كان الجيش يخوض معارك مصيرية لحماية الوطن. والمؤسف أنّ بعض الذين يرفعون اليوم شعار “حبّ الجيش” هم أنفسهم من يطالبون بتخفيف الحكم عن شخصٍ تورّط في التحريض عليه.
فضل شاكر لم يسلّم نفسه طوعاً حبّاً بالعدالة، بل بعدما ضاقت به السبل داخل المخيّم وتعرّض لضغوط ومضايقات جعلت الهروب مستحيلاً. ولو كانت له القدرة على الفرار، لما تردّد لحظة.
إنّ مطالبة رئيس الجمهورية جوزيف عون بعدم السماح بلفلفة هذا الملف، ليست مجرّد نداء سياسي بل واجب وطني وأخلاقي. فالرئيس هو الضنين بدماء رفاقه العسكريين الذين سقطوا دفاعاً عن لبنان، والتاريخ لن يرحم ولن يسامح أي تهاون في محاسبة المتورّطين في التحريض أو المشاركة بالاعتداء على الجيش.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال البُعد الإنساني، إذ كيف يمكن النظر في عيون أهالي الشهداء الذين فقدوا أبناءهم على مذبح الوطن، فيما هناك من يسعى لتبرئة أو تلميع صورة من ساهم بالتحريض ضد الجيش؟ إنّ دموع الأمهات ووجع الآباء وحرقة الأخوة، هي أمانة في أعناق الدولة والقضاء، والعدالة وحدها قادرة على مداواة هذا الجرح المفتوح.
كفى تلميعاً لفضل شاكر. فهو ليس ضحية، بل متّهم يجب أن يُحاسب بأشدّ العقوبات. والرحمة الحقيقية هنا ليست في العفو عنه، بل في أن يرى كلّ من يحاول العبث بأمن الدولة أنّ العدالة لا تساوم.