أثارت مجموعة من الوثائق المسرّبة من داخل شركة "روستيك" الروسية الحكومية جدلاً واسعاً، بعدما كشفت، بحسب ما ورد، عن صفقة تسليح ضخمة بين موسكو وطهران لبيع 48 طائرة مقاتلة متطورة من طراز "سوخوي-35". هذه المعلومات التي نشرتها مجموعة القراصنة "Black Mirror" تأتي بعد سنوات من الشائعات حول نية روسيا تزويد إيران بطائرات الجيل الرابع المتقدم، والتي لم تتحقق في الماضي.
الوثائق، التي يتجاوز عددها 300 ملف داخلي، تتضمن تفاصيل عقود، أسعار، وجداول زمنية للتسليم، وتشير إلى "العميل 364" الذي يُعتقد أنه يمثل إيران. وبحسب التسريبات، فإن قيمة الصفقة تصل إلى 686 مليون دولار، مع خطة تسليم على مراحل بين 16 و48 شهراً، ما يعني أن الطائرة الأولى قد تصل إلى إيران عام 2026، والأخيرة بحلول 2028. وتشمل الصفقة تجهيزات متطورة مثل أنظمة الحرب الإلكترونية "Khibiny-M"، إضافة إلى ذخائر متنوعة وأجهزة ملاحة وأفيونكس حديثة.
طائرة "سوخوي-35" تُعد من أحدث المقاتلات الروسية: ثنائية المحرك، متعددة المهام، ذات قدرة عالية على المناورة، مزوّدة برادار "Irbis-E" القادر على تتبّع أهداف متعددة في وقت واحد، وقادرة على حمل حتى 8 أطنان من الذخائر بما فيها صواريخ جو-جو، جو-أرض وقنابل موجهة. وهي مصممة لمنافسة طائرات غربية مثل F-15 الأميركية و"يوروفايتر تايفون" الأوروبية.
في السياق الاستراتيجي، يرى خبراء عسكريون أنّ هذه الخطوة – إن تحققت – ستشكّل نقلة نوعية لسلاح الجو الإيراني الذي يعتمد حالياً على أسطول قديم ومحدود الفاعلية، كثير منه تضرر أو دُمّر في مواجهات سابقة مع إسرائيل. وقد برز هذا الضعف تحديداً خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، حيث فشل الطيران الإيراني في مواجهة الغارات، بل اضطر بعض الطيارين إلى الانسحاب شرقاً بعيداً عن ساحة الاشتباك.
لكنّ محللين حذّروا من أنّ امتلاك هذه المقاتلات وحده لا يكفي لتغيير موازين القوى. فالأمر يتطلب سنوات من التدريب، تطوير عقيدة قتالية جديدة، وتأهيل بنى تحتية وصيانة ملائمة، حتى تتمكن إيران من الاستفادة الكاملة من قدرات الـSu-35.
الصفقة، في حال تأكدت، تُظهر تعميق التحالف العسكري بين روسيا وإيران في ظل ظروف جيوسياسية ضاغطة: موسكو ترزح تحت عقوبات غربية قاسية بسبب حرب أوكرانيا، فيما تواجه طهران تصعيداً مع الولايات المتحدة وإسرائيل. كما تأتي بعد اتفاقيات أخرى بارزة مثل بناء روسيا أربع محطات نووية في إيران بقيمة 25 مليار دولار.
إلى جانب ذلك، يشكك بعض المراقبين في توقيت تسريب الوثائق، معتبرين أنه قد يكون مرتبطاً بمحاولة من جهاز استخبارات دولي لإفشال الصفقة أو تعطيلها، خصوصاً أن أي تعزيز لقدرات إيران الجوية سيُنظر إليه كتهديد مباشر في الشرق الأوسط.
إذا ما نُفّذت الصفقة بالفعل، فستكون المرة الأولى منذ عقود التي يحصل فيها الجيش الإيراني على مقاتلات جديدة بهذا المستوى، ما قد يمنحه زخماً عسكرياً غير مسبوق منذ ثمانينيات القرن الماضي. لكنّ نجاح إيران في تحويل هذه الصفقة إلى قوة ردع فعلية سيظل رهن قدرتها على دمج هذه الطائرات في منظومتها القتالية بكفاءة وعلى تجاوز العقبات اللوجستية والتقنية التي عادة ما تعيق تحديث قواتها المسلحة.