اقليمي ودولي

العربية
الأربعاء 08 تشرين الأول 2025 - 20:30 العربية
العربية

في مشهد مائي نادر... هل يعيد سد "النهضة" رسم خريطة النيل؟

في مشهد مائي نادر... هل يعيد سد "النهضة" رسم خريطة النيل؟

يشهد نهر النيل هذه الأيام تحوّلًا ملحوظًا في موازين تدفقات روافده الكبرى، مع تراجع واضح في إيرادات النيل الأزرق مقابل فيض غير معتاد في النيل الأبيض، في مشهد مائي نادر أثار تساؤلات حول ما إذا كان سد النهضة الإثيوبي بدأ فعلاً في إعادة رسم خريطة النهر الأطول في العالم.


وأعلنت وزارة الري والموارد المائية السودانية عن ارتفاع غير مسبوق في إيرادات النيل الأبيض، محذّرة السكان المقيمين على ضفافه من خطر الفيضانات، ولا سيّما في المناطق الواقعة بين الجبلين وجبل الأولياء جنوبي الخرطوم.


وفي بيان رسمي، أوضحت الإدارة العامة لشؤون مياه النيل في الوزارة أنّ فيضان النيل الأزرق بدأ بالانحسار نتيجة انخفاض التصريفات الواردة من السدود الإثيوبية، في حين يسجّل النيل الأبيض زيادة مطّردة في الإيراد بلغت عند محطة ملكال 240 مليون متر مكعب، مقابل 135 مليونًا للنيل الأزرق و59 مليونًا لنهر عطبرة.


أما على مستوى السدود داخل السودان، فقد بلغت تصريفات سد الروصيرص 191 مليون متر مكعب، وسد سنار 223 مليونًا، وسد جبل الأولياء 160 مليونًا، فيما سجّل سد مروي في شمال السودان 635 مترًا مكعبًا.


الخبير السوداني في شؤون المياه الدكتور أحمد المفتي نفى وجود علاقة مباشرة بين سد النهضة وارتفاع إيراد النيل الأبيض، مؤكّدًا لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" أن النيل الأبيض يعتمد كليًّا على أمطار الهضبة الاستوائية والبحيرات العظمى، وهي مناطق خارج نطاق تأثير السد الإثيوبي.


وأوضح خبراء مياه سودانيون أن تأثير سد النهضة يقتصر على النيل الأزرق، بينما يتأثر النيل الأبيض بالعوامل الطبيعية مثل غزارة الأمطار، وانخفاض معدلات التبخر، وتنظيم التصريفات من السدود الأوغندية، مؤكدين أن الزيادة الحالية "طبيعية" وتعكس وفرة الأمطار في مناطق المنابع.


من جانبها، أوضحت مصادر فنية في وزارة الري السودانية أن الزيادة في إيرادات النيل الأبيض ناتجة عن غزارة الأمطار في الهضبة الاستوائية وبحيرة فكتوريا، ما أدى إلى ارتفاع مناسيب البحيرات الكبرى وزيادة التصريفات الخارجة منها، إضافة إلى الإطلاقات المائية من السدود الأوغندية.


وأكدت المصادر أن الوضع لا يزال "ضمن الحدود الطبيعية لمثل هذا الموسم"، مشيرة إلى أن الارتفاع الحالي "يعكس ديناميكية مناخية موسمية أكثر منه تحوّلًا هيكليًا في النهر".


ويأتي هذا التطوّر بينما تواصل إثيوبيا تشغيل سد النهضة للعام الخامس، بعد استكمال مراحل الملء التدريجي، مؤكدة أن المشروع "وطني لتوليد الطاقة" ولا يستهدف الإضرار بدولتي المصب.


في المقابل، ترى مصر والسودان أن التشغيل الأحادي للسد يشكل تهديدًا مباشرًا لحصصهما المائية، ويستلزم اتفاقًا قانونيًا ملزمًا حول قواعد الملء والتشغيل.


ويرى خبراء أن تزامن غزارة الأمطار في الهضبة الاستوائية مع تراجع تدفقات النيل الأزرق يجعل من الصعب الفصل بين الأثر المناخي والتأثير البشري الناتج عن السدود، خصوصًا في ظل تغيرات مناخية غير مسبوقة يشهدها حوض النيل.


ورغم تطمينات وزارة الري بأن الوضع تحت السيطرة، يحذر مراقبون من أن استمرار التباين بين روافد النيل الكبرى قد يشير إلى تحوّل أعمق في ديناميكية النهر، ما يتطلب رصدًا علميًا طويل الأمد لرسم صورة دقيقة لمستقبل التدفقات المائية في ظل واقع إقليمي جديد تصنعه السدود والمناخ معًا.


يُذكر أن ولاية النيل الأبيض كانت قد شهدت العام الماضي واحدة من أعنف الفيضانات في تاريخها الحديث، إذ ارتفعت مناسيب النهر إلى مستويات غير مسبوقة، وتسببت في غرق قرى بأكملها وتشريد آلاف السكان.


ووصف شهود عيان المشاهد بأنها "مرعبة"، بعدما اجتاحت المياه المنازل والمزارع والطرق، ما دفع الأهالي إلى الفرار الجماعي نحو مناطق أكثر أمانًا.


ويرى مراقبون أن تلك الحادثة لم تكن طارئة أو معزولة، بل مؤشرًا على تغيرات عميقة في سلوك النهر، في ظل تزايد الظواهر المناخية الحادة والضغوط البشرية على منظومة المياه في حوض النيل.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة