"ليبانون ديبايت"
في خطوة تعكس حجم التحكم الخارجي بالقرار المالي اللبناني عبر مصرف لبنان، تم إقفال عدد من حسابات جمع التبرعات المخصصة لدعم أبناء الجنوب، وذلك تلبية للإملاءات الأميركية التي بات الحاكم – بحسب المعطيات – ينفذها بحذافيرها.
ويقوم المصرف، وفق ما تبيّن، بتوجيه المؤسسات المالية بالاسم لإقفال حسابات محددة إذا ثبت أنها تُستخدم لدعم الأهالي الصامدين في القرى الحدودية الجنوبية.
ومن بين هذه الحالات، ما حصل مع مهندس الاتصالات وعضو مجلس بلدية راميا الحدودية حسين صالح، الذي كان يقود حملته الرابعة لدعم الأهالي الذين رفضوا ترك منازلهم بعد وقف إطلاق النار في القرى الحدودية.
ويكشف صالح في حديث الى "ليبانون ديبايت" أن إدارة احدى شركات تحويل الأموال أبلغته فجأة إقفال حسابه لديها، ما أثار استغرابه، متسائلاً عن خلفيات القرار وتداعياته.
تفاصيل ما جرى مع حسين صالح
يوضح صالح أن المبادرة انطلقت تحت عنوان "دولار واحد" بهدف جمع التبرعات لمساعدة أهالي القرى الحدودية.
ويضيف أنه خلال حرب الـ66 يوماً سبق أن أطلق حملة مشابهة جمع خلالها تبرعات كبيرة لصالح النازحين من دون أن يتعرض لأي مضايقة.
إلا أن إدارة الشركة اتصلت به يوم أمس لتبلغه بأن حسابه سيُقفل بناءً على التعميم الصادر عن مصرف لبنان رقم 170، بحجة أنه يستقبل تبرعات.
ويقول: "اعترضت وطلبت توجيه إنذار أولاً لأتوقف عن استقبال التبرعات، مع الإبقاء على الحساب لأغراضي الشخصية، لكن الإدارة أبلغتني أن مصرف لبنان هو من طلب إقفاله مباشرة".
ويتابع: "وبالفعل، صباح اليوم قامت الشركة بإقفال الحساب بشكل نهائي".
حملة إنسانية بحتة
يؤكد صالح أن المبلغ الذي وصل إلى الحساب منذ انطلاق الحملة لم يتجاوز 35 ألف دولار، موضحاً أن هذه المبالغ لا تبقى في الحساب إطلاقاً، بل تُحوّل فوراً إلى الأهالي الصامدين في القرى الجنوبية لتأمين احتياجاتهم من دواء وغذاء وتموين ومساعدات عاجلة.
ويشدّد على أن هذا المبلغ متواضع جداً ولا يمكن أن يُشكل مؤشراً على "تبييض أموال"، خصوصاً أن التبرعات تُصرف فوراً على مستحقيها.
ويضيف أن المستفيدين الأساسيين من هذه المساعدات هم سكان القرى الحدودية الذين لا قدرة لهم على استئجار منازل ويرغبون بالبقاء في أرضهم، وهم بحاجة إلى ترميمات بسيطة تمكنهم من الاستمرار في منازلهم.
ويتابع: "كنت أستقبل التبرعات عبر الحساب، وأحياناً أدفعها نقداً إذا تمكنت من الوصول، لكن الوضع الأمني في المنطقة خطير، لذلك كنت أفضّل التحويلات عبر احدى شركات تحويل الأموال لأنها أكثر أماناً وسرعة".
"الحرب لم تعد فقط مع العدو الإسرائيلي"
ويعبّر صالح عن استغرابه الشديد من أن الحرب لم تعد مقتصرة على العدو الإسرائيلي، بل باتت هناك "حرب داخلية" ضد أبناء الجنوب، قائلاً: "يبدو أن الحكومة والداخل يشنّان حرباً موازية، وكأنها جبهة مساندة للعدو، لكن من الداخل، وبالأساليب الاقتصادية، في محاولة لمنع صمود الجنوبيين في أرضهم".
ويشير إلى أن هذه المبادرة الشبابية ذات مردود محدود جداً ،حيث لم تصل التبرعات لأكثر من 35 الف دولار طيلة 3 أشهر، مقارنة بحجم الكارثة الإنسانية في الجنوب، موضحاً أن عمله الإنساني لا يرتبط فقط بفترات الحرب، بل هو نهج ثابت لديه منذ سنوات، خصوصاً في نطاق بلدته.
ويضيف: "على هذا الأساس انتُخبت عضواً في المجلس البلدي، وأنا لست مرتبطاً بأي حزب سياسي. أنا مهندس اتصالات وأملك شركة خاصة مع أشقائي، لكن معاناة أهالي الجنوب دفعتني منذ سنوات إلى العمل الإنساني والإغاثي، مع مجموعة من ثمانية شبان ناشطين في هذا المجال".
ويتابع قائلاً: "عملنا الإنساني تعمّق أكثر بعد حرب الإسناد، حين تهجّرنا مع أهل القرية، واليوم نواجه محاولات لإعاقة هذه الجهود الشبابية في وقت تدعو فيه الدولة الشباب للانخراط في العمل الاجتماعي والإنساني للنهوض بالبلد".
متابعة قانونية مرتقبة
ويشدد صالح على أنه سيتابع القضية قانونياً مع محاميه غداً، للتأكد مما إذا كانت شروط التعميم رقم 170 تنطبق عليه فعلاً، قائلاً: "ليس من حقهم إقفال الحساب بهذه الطريقة، وسأتخذ الإجراءات القانونية لمعرفة مدى قانونية هذا القرار".
ويلفت إلى أنه ليس الوحيد الذي تعرّض لهذه الخطوة، إذ أُقفل أيضاً حساب فتاة تُدعى مايا كانت تنفذ حملة لجمع التبرعات لإقفال ديون المحتاجين في "الدكاكين"، موضحاً أن ما يجري هو زيادة في الحصار المالي والخنق الاقتصادي الذي يستهدف الطائفة الشيعية بشكل خاص.
ما هو التعميم رقم 170؟
ينص التعميم رقم 170 في مادته الأولى على ما يلي:
"يُحظر على المصارف والمؤسسات المالية وسائر المؤسسات الخاضعة لترخيص من مصرف لبنان، وعلى مؤسسات الوساطة المالية وهيئات الاستثمار الجماعي، أن تقوم بأي تعامل مالي أو تجاري أو غيره، بشكل مباشر أو غير مباشر، كلياً أو جزئياً، مع مؤسسات الصرافة وشركات تحويل الأموال والجمعيات والهيئات غير المرخصة مثل: جمعية القرض الحسن، وشركة تسهيلات ش.م.م.، وشركة اليسر للتمويل والاستثمار، وبيت المال للمسلمين، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكيانات والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية، لا سيّما لجهة:
– تقديم أو تسهيل خدمات مالية أو نقدية أو تحويلات أو خدمات وساطة.
– إنشاء أو تنفيذ ترتيبات تمويل أو إيجار أو إقراض."