تزامن هذا «التدبير الإسرائيلي» مع إنهاء الفرقة 91 المنتشرة على الحدود مع لبنان تدريباً ميدانياً على أساليب العمليات الأمنية السريعة في بيئة تحاكي القرى اللبنانية، ومع مغادرة المستشارة الأميركية مورغان أورتاغوس. وما تبيّن أمس، أن مجموعة الأحداث المتفرقة التي شهدتها قرى الحافة تقع ضمن سيناريو مترابط ومقصود.
تزعم تل أبيب أن ما دفعها إلى تفعيل هذا المسار هو «تلكؤ الدولة اللبنانية في استكمال نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني». ولتعزيز «مصداقيتها»، عمدت إلى تسريب مواقف تتهم الحزب باستئناف عمليات تسليحه. في المقابل، تؤكد بيروت أن الدولة تواصل تنفيذ خطتها وفق ما أقرّه مجلس الوزراء، وأنها حين تلقت «معطيات» أميركية بهذا الشأن، طالبت بتزويدها بالأدلة.
أورتاغوس تضغط… بلهجة مختلفة
الضغط على الدولة اللبنانية لا يقتصر على الجانب الإسرائيلي. فالمستشارة لدى البعثة الأميركية في الأمم المتحدة مورغان أورتاغوس مارست خلال مشاركتها في اجتماع آلية المراقبة الخماسية «الميكانيزم» في الناقورة، أمس الأول، ضغوطاً مشابهة لتلك الإسرائيلية، ولكن بأسلوب مختلف.
طالبت أورتاغوس بأن يشمل نزع السلاح كافة الأراضي اللبنانية دون استثناء، لا فقط جنوب الليطاني، موجّهة انتقادات صريحة لمضمون ما صدر عن مجلس الوزراء من خطط اعتبرتها «غير كافية».
من الواضح أن وتيرة الضغوط ستزداد كلما اقتربنا من نهاية العام – وهي المهلة التي حددتها الحكومة اللبنانية لحصر السلاح – وهو ما ألمحت إليه ما يمكن استشفافه من لهجة أورتاغوس. أما تفعيل إسرائيل لما تسميه «العمليات الجراحية»، فيأتي ضمن مسار الضغط الميداني على الدولة، وإيصال رسالة مفادها أن العام المقبل لن يكون كسابقه في ما يتعلق بملف السلاح.
رسائل ميدانية… ورفض لبناني
الرسائل الموجهة إلى لبنان واضحة: ما تقوم به إسرائيل هو سلسلة ترتيبات تهدف إلى تنظيف المنطقة الحدودية من سلاح المقاومة بالإنابة عن الدولة اللبنانية. هذا الخطاب سبق أن تبناه وزراء في الحكومة الإسرائيلية قالوا إن «تل أبيب لن تنتظر إجراءات الحكومة اللبنانية».
غير أن هذا المسار يلقى تحفّظاً لبنانياً واضحاً. فالدولة تؤكد أن الجيش اللبناني موجود في الجنوب ويقوم بمسؤولياته كاملة، فيما تتولى آلية «الميكانيزم» تزويده بالإحداثيات. أما ما تقوم به إسرائيل فمختلف تماماً.
عند حافة الهاوية
موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون المرتفع النبرة، والقاضي بتكليف الجيش صدّ أي توغل إسرائيلي، يُقرأ من زوايا عدة. فمن جهة، يشكل اعتراضاً على الأسلوب المعتمد حالياً، ومن جهة أخرى، يعكس تحذيراً من أن السياسات المتبعة قد تدفع الجنوب نحو الانفجار.
الرئيس يبدو وكأنه يلعب على حافة الهاوية. فالتلويح بالانفجار ليس عملاً هجومياً بل محاولة ردعية لتحسين موقع لبنان في المعادلة.
في بيروت، يسود اعتقاد بأن استراتيجية «لبنان ينزلق نحو العنف» قد تؤدي إلى تدخل أميركي ضاغط على إسرائيل لوقف تجاوزاتها، وإعادة ضبط الاستراتيجية الأميركية تحت شعار «المحافظة على الاستقرار».
ويرى بعض المسؤولين أن القراءة اللبنانية الرسمية تنطلق من قناعة مفادها أن واشنطن لن تسمح بانزلاق الجنوب إلى مواجهة غير متكافئة بين الجيش اللبناني وإسرائيل، ولن تسمح باستهداف الجيش على نطاق واسع ومؤثر.
لكن في المقابل، ليس واضحاً بعد ما إذا كانت واشنطن تتصرف باستقلالية تامة عن الخطط الإسرائيلية أم هي منغمسة فيه، لاسيما في ظل المعطيات التي تُشير إلى أن الأميركيون يواكبون العمليات الميدانية الإسرائيلية من غرفتي عمليات مشتركتين: الأولى في صفد وتضم قادة من الجيشين الإسرائيلي والأميركي، والثانية في مقر قيادة الجيش بتل أبيب بحضور مندوبين عن القيادة المركزية الأميركية.
دفع بإتجاه المفاوضات
في المقلب الآخر، يبدو أن الدولة اللبنانية بدأت تقتنع تدريجياً بأن المسار الذي تسلكه في التعامل مع قضية الجنوب بتبعية شبه كاملة لإرشادات الخارج، لم يحقق نتائج ملموسة. ومع اعتراف معظم القوى بأن النهج الحالي لا يكسر حلقة التنازلات المستمرة، حاول قصر بعبدا تحريك المياه الراكدة أملاً في تخفيف الشروط الأميركية المفروضة على بيروت.
من بين هذه الشروط ما يتصل بالمفاوضات المطروحة حالياً، إذ ترى مستويات سياسية لبنانية أنه لا يمكن الدخول في مفاوضات في ظل التصعيد الإسرائيلي الجاري. وهو ما أبلغ بالفعل إلى المبعوثين الذين زاروا لبنان، على أمل إجراء "تحسين" في الإستراتيحية المتبعة!
غير أن هناك من يعتقد أن هذا التصعيد بحد ذاته جزء من أدوات الضغط الهادفة إلى جرّ لبنان نحو طاولة المفاوضات بسرعة أكبر. وقد زاد هذا الإعتقاد في طور الإعتداءات التي حصلت خلال الساعات الماضية، والمرشحة لارتفاع أكثر طالما أن إسرائيل ما تزال "مطلقة التصرّف".
 
                                                         
                                                                                                         
                         
                                 
             
             
             
             
                    
                     
                    
                     
                    
                     
                    
                     
                    
                     
     
    
    