قبل عامٍ تمامًا، في 29 تشرين الأول 2024، هزّت غارةٌ إسرائيلية بلدة الصرفند الساحلية جنوبي لبنان، مستهدفةً مبنىً سكنيًا من ثلاثة طوابق، فتحوّل في لحظاتٍ معدودة إلى ركامٍ صامت.
كانت الغارة من بين أكثر الهجمات دموية خلال تلك المرحلة، إذ أسفرت عن استشهاد 14 شخصًا، بينهم 5 أطفال و5 نساء و4 رجال، لتُمحى عائلةٌ بأكملها من السجلات الحياتية، باستثناء طفلٍ واحد كتب له القدر النجاة — علي محمد خليفة، الناجي الوحيد من عائلته التي قضت بالكامل: والده محمد، والدته منى، شقيقته الصغيرة نور، وجدّاه، حين أُخرج من تحت الأنقاض، كان جسده الصغير مغطّى بالغبار، بين ذراعي جدّته التي احتضنته حتى لحظة استشهادها.
يروي حسين خليفة، أحد المسعفين في كشافة الرسالة الإسلامية الذين شاركوا في عمليات الإنقاذ، تفاصيل تلك الليلة لوكالة سبوتنيك قائلاً: "الغارة حصلت ليلًا، كنّا في نقطة الإسعاف التابعة لمستشفى علاء الدين عندما وردنا بلاغٌ عن غارةٍ قوية في منطقة الصرفند وسقوط عددٍ كبير من الشهداء والجرحى".
وتابع، "في اليوم التالي، حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحًا، أي بعد نحو 15 ساعة من الغارة، عثرنا على الطفل علي خليفة حيًّا، كان لا يزال ينبض بالأمل".
وأضاف، "لكن ونحن في طريقنا إلى المستشفى، بدأ الطفل يُظهر حركاتٍ خفيفة، فأبلغنا السائق الذي تواصل مع المستشفى ليجهّزوا لاستقباله. وبعد 15 ساعة تحت الأنقاض، كتب الله له النجاة بينما استُشهدت جدّته. كان مشهدًا صعبًا للغاية أثّر فينا جميعًا، وبقينا في الميدان حتى انتهاء عمليات الإنقاذ. والحمد لله، الطفل نجا... نسأل الله الرحمة للشهداء".
أمّا بسام خروبي، قائد القطاع السادس في كشافة الرسالة الإسلامية، فيروي كيف تلقّى خبر نجاة الطفل بينما كان يشارك في دفن والده: "كنت أشارك في دفن والد الطفل عندما وردني اتصال من الشباب في موقع الغارة، سمعت أحدهم يصرخ: الأخ مصطفى وجد الطفل... الطفل حي!".
بعد عامٍ على تلك الليلة الدامية، تغيّرت تفاصيل كثيرة، إلا أنّ ذكرى الغارة ما زالت محفورة في وجدان الصرفند وأهلها، فان الطفل علي خليفة، الذي كان آنذاك في الثانية من عمره، تعافى تدريجيًا من إصاباته البليغة في الرأس والوجه ومن فقدان يده، وبدأ هذا العام عامه الدراسي الأول، ويعيش اليوم مع عمّه علي نمر خليفة، الذي تبنّاه بعد رحيل والديه، في منزلٍ يضم أفراد العائلة المتبقّين.
يقول العمّ: "كانت الساعة تقارب التاسعة مساءً، أنهينا العشاء، ونزلت ابنة أختي إلى أهلها في الطابق السفلي. جلست على الكنبة لأشرب القهوة مع العائلة، وفجأة سمعنا صوت صاروخٍ قوي جدًا".
واستكمل، "في تلك اللحظة، عمّ الظلام وشعرت أنني أطير في الهواء. كنت في الطابق الثالث، وسقطت مع العائلة بالكامل تحت الركام. بدأنا نصرخ لبعضنا البعض حتى وصلت فرق الإسعاف وأنقذونا".
وتابع، العمّ، "في اليوم التالي، أثناء دفن الشهداء، أخبروني أن علي ما زال حيًا، قلت حينها: سبحان الله، هذه حكمة الله... أبقى لنا شيئًا من ريحة أخي. ومن تلك اللحظة اعتبرت علي كأحد أولادي".
واضاف، "بعد عامٍ على الحادثة، ورغم الإصابات البليغة، تحسّنت حالته كثيرًا والحمد لله، بدأ عامه الدراسي الأول هذا العام، ويعيش معنا أنا وأخواتي وعمّاته، ما تبقّى من هذه العائلة الكبيرة التي فقدت معظم أفرادها".
اليوم، يعيش علي خليفة بين عمّاته وأعمامه، في منزلٍ واحد جمع ما تبقّى من العائلة، تبدو ملامحه أكثر طمأنينة، لكن في عينيه لا تزال تسكن ذكرى تلك الليلة التي غيّرت حياته إلى الأبد.
نجا علي من الموت، لكن قصّته تبقى شاهدًا حيًّا على واحدةٍ من أكثر المآسي إيلامًا في جنوب لبنان خلال الحرب الأخيرة.
 
                                                                                                         
                         
                                 
             
             
             
             
                    
                     
                    
                     
                    
                     
                    
                     
                    
                     
     
    
    