المحلية

ليبانون ديبايت
السبت 01 تشرين الثاني 2025 - 07:53 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

اقتراع المغتربين… تزييفٌ للديموقراطية

اقتراع المغتربين… تزييفٌ للديموقراطية

الافتتاحية _ "ليبانون ديبايت"


ما يجري في ملفّ اقتراع المغتربين لم يعد نقاشًا ديموقراطيًا مشروعًا، بل انحرافًا سياسيًا خطيرًا يمسّ جوهر العدالة الانتخابية. فالاستحقاق الذي وُلد ليكرّس مبدأ المشاركة الوطنية، تحوّل إلى تجارة انتخابية رخيصة تُدار على مقاس مصالح القوى التي تعرف كيف توظّف الاغتراب لتعديل موازين الداخل.


في الشكل، يبدو الاقتراع الخارجي تكريسًا لحقّ اللبنانيين المنتشرين في العالم بالمشاركة في الحياة السياسية. أمّا في المضمون، فهو صفقة غير متكافئة بين من يمتلكون حرية الحركة في الخارج ومن يُمنعون من ذلك لأسباب سياسية أو أمنية. فكيف يمكن الحديث عن انتخاباتٍ عادلة بينما تُحظر على بعض الأحزاب أيّ نشاطٍ في دولٍ محددة، وتُمنح في المقابل أحزابٌ أخرى حرية التجمّع والدعاية وجمع التبرعات؟


خذ مثلًا التيار الوطني الحر أو حركة أمل أو حزب الله في الخليج وبعض الدول الغربية. هؤلاء محرومون من أي نشاطٍ انتخابي، في حين يتحرك خصومهم بحرية مطلقة، يعقدون الندوات ويحتلون الشاشات والسفارات والمنتديات. فكيف يمكن لمنافسةٍ كهذه أن تكون نزيهة؟ وأيّ قانونٍ انتخابي يسمح بإجراء انتخابات لبنانية في بيئاتٍ تُعادي أصلًا قوى لبنانية تمثّل شريحة واسعة من المواطنين؟


القانون الانتخابي وُضع لضمان المساواة لا لتكريس الانحياز. فكما يحدّد سقفًا للإنفاق الانتخابي في الداخل حمايةً للتكافؤ بين المرشحين، كان يفترض أن يضمن أيضًا عدالة الفرص في الخارج. لكنّ الواقع معاكس تمامًا: المغتربون يصوّتون من دولٍ تُعادي بعض القوى اللبنانية وتفتح أبوابها لأخرى، فيتحوّل الصوت الاغترابي إلى أداة ضغط سياسي بيد الخارج لا إلى تعبيرٍ حرّ عن الإرادة الوطنية.


في انتخابات العام 2022، جرى استثناء خاص بالسماح للمغتربين بالاقتراع في أماكن قيدهم داخل لبنان. أمّا اليوم، فيُصرّ بعض السياسيين على إعادة إحياء الصيغة السابقة، متجاهلين أن القانون النافذ كافٍ، وأن أي تعديل جديد لن يضيف عدالة بل مزيدًا من الفوضى والانقسام.


العدالة الانتخابية ليست شعارًا يُرفع في الحملات الانتخابية، بل جوهر الديموقراطية نفسها. فكيف تُفرض قيود صارمة على الإنفاق والدعاية في الداخل لضمان المساواة، فيما يُترك الخارج ساحة مفتوحة للمال السياسي والإعلام الموجّه الذي يخدم طرفًا واحدًا؟ هذه الازدواجية تُسقط مبدأ العدالة وتحوّل الاغتراب إلى ساحة نفوذ سياسي تموَّل وتُدار من خارج الحدود.


من يروّج لهذا القانون يعرف تمامًا أنّه يشرّع تدخّل الخارج في القرار اللبناني، ويحوّل المغتربين إلى أداةٍ انتخابية لا إلى جسر تواصلٍ وطني. فاقتراعهم بهذه الصيغة لا يعكس انتماءً صادقًا للوطن، بل يكرّس تغليب إرادة الخارج على إرادة الداخل.


الاستحقاق النيابي شأن لبناني يُدار من بيروت، لا من العواصم الأجنبية. وكلّ صوتٍ يُستدرج خارج شروط العدالة هو صوتٌ مسروق من الديموقراطية. ومن يصرّ على هذا المسار يشارك في جريمة تزويرٍ للإرادة الوطنية، تحت لافتة “حقّ الاغتراب بالاقتراع”.


فليُطبّق القانون كما هو، ولْيتوقّف المتاجرون بالمغتربين عن بيع أوهام “المشاركة” وشراء النفوذ الانتخابي من وراء البحار. فالانتخابات التي لا تساوي بين أبنائها لا تصنع تمثيلًا حقيقيًا، بل تنتج نظامًا يُدار من الخارج ويُزيّف من الداخل.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة