حين قال براك أنّ لبنان دولة فاشلة، نسي أو تجاهل عن قصد أنّ بلاده كانت ولا تزال شريكةً في هذا الفشل. فالولايات المتحدة التي تتحدّث اليوم عن الانهيار هي نفسها التي حاصرت لبنان، ومنعت عنه الدعم، وغطّت الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على أراضيه، ثمّ عادت لتتكلّم بلغة "الإصلاح والحرص".
لبنان ليس بحاجةٍ لمن يذكّره بضعفه، بل لمن يساعده على النهوض. وواشنطن التي ترفع شعار "سيادة لبنان" هي أول من يقايض سيادتنا بالمساعدات، وهي أول من يربط أيّ دعمٍ بشروطٍ سياسية لا تمتّ إلى مصلحة اللبنانيين بصلة.
لكنّ المأساة اللبنانية ليست فقط من صنع الخارج. فـ حزب الله، الذي انطلق من عنوان المقاومة، تجاوز حدودها حين أدخل لبنان في صراعاتٍ إقليمية تخدم حسابات إيران. والسلاح الذي كان رمزًا للدفاع عن الأرض تحوّل إلى عبءٍ على الدولة وذريعةٍ للعزلة والانقسام. ومن هذا المنطلق، يجب أن يُسلَّم سلاح الحزب إلى الدولة، لأنّ أيّ حديثٍ عن سيادةٍ في ظلّ ازدواجية السلاح هو مجرّد وهمٍ سياسي.
فلبنان اليوم هو اشبه بمنتجٌ أميركي – إيراني الصنع. محاصر من واشنطن وممسوك من طهران، تتنازعه قوتان تتبادلان الأدوار بين الضغط والدعم المشروط.
لكن الخطأ لا يقف عند حدود حارة حريك وتوابعها. فالقوى التي تصف نفسها بالـ"سيادية" تمارس الخطيئة نفسها من الجهة المقابلة. وبدل أن تبني مشروع الدولة، غرقت في المزايدات والتحدّي والشعارات الفارغة. وهي اليوم تتغذّى على الانقسام وتقتات من الفشل، ترفع لواء الإصلاح ثمّ تسقطه عند أول مفترق مصلحة.
من جهتها، الحكومة التي من المفترض أن تعالج ما هو عالق لا تزال في موقع المتفرّج. تصدر البيانات وتعد بالإصلاح لكنها في الحقيقة عاجزة عن التنفيذ. كذلك العهد الجديد، الذي وعد بالنهوض، اكتفى باستعراضٍ لفظيّ زاد الانهيار عمقاً. وحتى حين اتُّخذ قرارٌ بحصر السلاح بيد الدولة في مجلس الوزراء، لم يلقَ لبنان أيّ دعمٍ دوليّ جدّي، لا في الانسحاب الإسرائيلي من النقاط المحتلّة، ولا في تمويل الجيش اللبناني ولا في دفع مسار الإصلاح الاقتصادي.
وهكذا، بقي لبنان عالقاً بين خارجٍ يضغط لمصلحته وداخلٍ يتناحر على فتات السلطة. لا الولايات المتحدة التزمت بوعودها، ولا حزب الله رضخ للأمر الواقع ولا الحكومة امتلكت الشجاعة على السير قدماً نحو بناء الدولة ولا القوى الأخرى قدّمت بديلاً حقيقياً عن ما هو موجود منذ عقود. فيصح القول أن الكلّ شريك في الأزمة، والكلّ مسؤول عن ضياع لبنان