تستمرّ في سوريا موجةُ الغضب والجدل حيال ملفّ المختطفات في الساحل السوري، بعدما كشفت وثائق وشهادات ميدانية عن تناقضٍ صارخٍ بين ما أعلنه النظام السوري وما تتداوله العائلات والمنظمات الحقوقية. ففي حين تصرّ وزارة الداخلية السورية على أنّ معظم الحالات التي تمّ الإبلاغ عنها هي "هروبٌ طوعي" أو "قضايا أخلاقية"، تتحدث الوقائع على الأرض عن شبكة اختطافٍ منظّمة تستهدف نساءً وفتيات من اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص.
منذ مطلع عام 2025، وثّقت منظماتٌ محلية أكثر من 40 حالة اختطاف لنساءٍ وفتياتٍ في مناطق الساحل، مقابل إقرارٍ رسميٍّ بحالة واحدة فقط واعتبار الباقي “قضايا عائلية”. غير أنّ شهادات الأهالي تؤكّد أنّ عدداً من الضحايا نُقلن إلى الشمال السوري، حيث جرى استخدامهنّ كورقة ابتزاز مالي، فيما تعرّضت أخريات للبيع أو الاستغلال في ظروفٍ مجهولة.
من بين القصص التي أثارت الرأي العام، قضية جميلة أحمد شاهين، التي فُقدت آثارها منذ أشهر في ريف اللاذقية، وسط صمتٍ رسمي مطبق. تقول والدتها، في شهادة مصوّرة، إنّ ابنتها "لم تهرب ولم تُختطف من أجل المال فقط، بل اختُطفت لتُخفى الحقيقة، لأن هناك جهات نافذة تحمي الجناة".
وفي حادثة أخرى، أكّدت عائلة الطفل محمد حيدر أنه خُطف ونُقل إلى إدلب، قبل أن يُفرج عنه بعد دفع فدية قدرها 100 ألف دولار عبر وسطاء. وتضيف العائلة أنّ "الجهات الأمنية حاولت إقفال الملف باعتباره سوء فهم، رغم أن المفاوضات استمرت أسابيع بوساطة معروفة".
شهادات الناجين وأهالي المختطفين تتقاطع على رواية واحدة: خطفٌ في مناطق الساحل، نقلٌ إلى الشمال، تفاوضٌ ماليّ، ثم صمتٌ رسميٌّ متعمّد. ووفق مصادر حقوقية، تتكرّر هذه الحالات وسط إنكارٍ حكوميٍّ وتهديدٍ للعائلات التي تحاول الحديث للإعلام.
وبين رواية السلطة التي تقلّل من حجم القضية، وحقائق الميدان التي تكشف شبكةً تعمل في الخفاء، تبقى الحقيقة معلّقة في فراغٍ من العدالة.
ضحايا الساحل، كما يصفهم الأهالي، مختطفون مرتين: مرّة من الميدان، ومرّة من الذاكرة.