يواجه الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في غرب أفريقيا مخاطر عدة تبدأ بالتضييق عليهم ومحاصرة آرائهم المعارضة وتسفيه مشاريعهم، وتنتهي بالتهديد والاعتداء وأحيانًا القتل أمام جمهورهم. وهذا ما حدث للناشطة المالية مريم سيسيه على تطبيق "تيك توك"، التي كانت تعلن دعمها للجيش المالي، فقام مسلحون يُعتقد أنهم من تنظيم القاعدة بقتلها.
فبعد أن اعتقلوها ليوم واحد إثر تصويرها مقاطع في سوق شعبية بقريتها تونكا وسط مالي، اقتادوها في اليوم التالي إلى الساحة الرئيسية في القرية، وأطلقوا عليها النار أمام حشد من الناس، بينهم متابعون لها صُدموا من المشهد ولم يتدخلوا لمساعدتها.
ويرى مراقبون أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي هم أول ضحايا انعدام الأمن وانتشار سيطرة الجماعات المسلحة، إذ بعد تآكل سلطة الدولة في مناطق الشمال وجد المسلحون في هؤلاء الناشطين هدفًا لإرهاب الناس وتمرير رسائل قوية، ومحاربة أسلوب النقل وبث الصورة الذي تكرهه الجماعات المسلحة.
وفي هذا الصدد، قال الباحث يحيى ديبو إن "تآكل سلطة الدولة في مناطق الشمال انعكس بشكل مباشر على حياة وعمل مشاهير التواصل الاجتماعي، فغالبيتهم اضطروا لمغادرة مناطقهم، فيما تعرّض آخرون للتهديد والاعتداء والتصفية كما حدث مع مريم".
وأكد الباحث في حديثه لـ"العربية.نت" أن التطورات في مالي متسارعة، والتوترات داخل الجيش تنذر بقرب تفكك السلطة. وأضاف: "لقد أدى انعدام الأمن إلى تصاعد عمليات اختطاف الأجانب ومحاصرة المدن وقطع الطرق ومنع إمدادات ضرورية كالمحروقات، ما تسبب في توقف الدراسة وخروج الشركات المستثمرة، وإطلاق الدول الغربية نداءات لرعاياها بالخروج من مالي".
ورأى أن قتل مريم بتلك الطريقة ليس إلا أسلوبًا دأبت الجماعات المسلحة على اعتماده لإرهاب المواطنين؛ إذ كانت سابقًا تستهدف نشطاء حقوق الإنسان والفاعلين السياسيين المعارضين، والآن تجد في نشطاء مواقع التواصل الداعمين للدولة هدفًا سهلًا وأكثر تأثيرًا.
وأثار مقتل سيسيه (22 عامًا)، التي يتابعها ما يقارب 100 ألف على "تيك توك"، موجة غضب واستنكار واسعة في مالي، وإشادات عديدة بمحتوى ما كانت تقدمه، وبجرأتها وشجاعتها وهي تعلن دعمها للجيش مرتدية الزي العسكري.
وهاجم العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي فشل السلطات في توفير الأمن للمواطنين في الشمال، وتركهم ضحايا للجماعات المسلحة التي لا تتوانى عن الاعتداء عليهم، خصوصًا الشباب والناشطين المعارضين لسيطرتها على بعض المناطق.
وتثير الأوضاع في مالي قلقًا متزايدًا لدى المراقبين الذين لم يتوقفوا عن التحذير من استمرار تقاعس قوات الأمن عن السيطرة على مناطق الشمال ومنع الجرائم ومحاسبة مرتكبيها.
وجاء إعدام مريم في ظل وضع أمني متوتر بشمال مالي، بعدما تمكنت الجماعات المسلحة من بسط سيطرتها على مناطق في تمبكتو، حيث ارتفعت وتيرة الهجمات المسلحة وعمليات الاختطاف في الأسابيع الأخيرة بشكل غير مسبوق. ونجح المسلحون في السيطرة على طرق الإمداد الرئيسية من دول الجوار كموريتانيا والسنغال، وفرضوا حصارًا على إدخال الوقود، ما أدى إلى شلل حركة النقل، واضطرت الحكومة إلى إغلاق المدارس لما يزيد عن شهر. كما تضررت المستشفيات وقفزت أسعار المواد الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة.