أولها تفاوت الحرارة بين أوروبا وشمال إفريقيا، إذ شهدت أوروبا الغربية والشمالية موجات باردة مبكرة، في حين بقيت الحرارة فوق المعدل في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، ما دفع الهواء الدافئ للتمدد عموديًا فوق المنطقة، وتشكل مرتفع مداري قوي يعمل كسد أمام أي منخفضات باردة. ونتيجة ذلك يظهر ضغط جوي مرتفع يمنع الكتل الهوائية الباردة من اختراق المنطقة بسهولة.
ثاني هذه العوامل، انحراف مسار التيار النفاث نحو الشمال، وهو "الطريق" الذي تسلكه المنخفضات الجوية عادةً. خلال الأسابيع الماضية، انحرف التيار النفاث صوب أوروبا بدل وصوله إلى شرق المتوسط، ما أدى إلى تنشيط المنخفضات فوق أوروبا وتركيا، بينما ضعفت قبل الوصول إلى منطقتنا.
أما العامل الثالث فيتعلق بتأثيرات التغيّر المناخي، إذ تشهد المنظومة الجوية تذبذبًا كبيرًا في الضغوط بين الأطلسي وأوروبا وشمال إفريقيا. كلما اقتربت كتلة باردة من شرق المتوسط، يعود المرتفع المداري للتمدد والتقوّي فجأة، مما يؤدي إلى تلاشي المنخفضات قبل عبورها المنطقة وزيادة صلابة المرتفع.
ويؤكد جابر أن وجود المرتفع المداري أمر طبيعي، لكن مدة سيطرته أصبحت أطول من المعتاد نتيجة تغيّرات المناخ وأنماط الدوران الجوي العالمية. وأضاف أن هذا المرتفع لا ينهار إلا عند توافر مجموعة شروط، أبرزها هبوط التيار النفاث جنوبًا، وانخفاض حرارة شمال إفريقيا، وتشكل موجة باردة قوية في أوروبا الشرقية تدفع الهواء البارد نحو شرق المتوسط.
وبالنسبة للأيام المقبلة، تشير قراءة النماذج العددية إلى استمرار الطقس المستقر والدافئ فوق المعدل من اليوم وحتى 25 تشرين الثاني، مع درجات حرارة تتراوح بين 25 و27 درجة ساحلًا، وجفاف وغبار خفيف، وغياب أي فعالية مطرية جدية، بينما يبقى المرتفع مسيطرًا بقوة مع تذبذب محدود في الضغط.
ومن 26 تشرين الثاني وحتى بداية كانون الأول، من المتوقع انخفاض تدريجي في الحرارة، مع ازدياد الغيوم واحتمال أمطار خفيفة إلى متوسطة بين 27 و30 تشرين الثاني وبداية الشهر، ما يعكس تراجعًا نسبيًا في قوة المرتفع ودخول أحواض عليا أبرد تسمح بهطولات محدودة، دون وجود علامات واضحة على منخفض كلاسيكي قوي.
وفي الخلاصة، يوضح جابر أن الطقس الدافئ والجاف سيستمر حتى أواخر الشهر، مع بداية ضعف تدريجي محتمل للمرتفع، واحتمال مرور منخفض واحد أو اثنين متوسطَي الفعالية مصحوبين بأمطار متفرقة، مع التأكيد على أن دقة التوقعات مرتبطة دائمًا بالمستجدات اليومية للمنظومة الجوية.
وبذلك يضع جابر الصورة المناخية أمام القارئ ببساطة وعمق، موضحًا أن ما يعيشه لبنان ليس "انقطاعًا مفاجئًا" للأمطار، بل تحوّلًا في ديناميكية الطقس فرضته تغيّرات المناخ على المستوى الإقليمي والعالمي.