“ليبانون ديبايت”
في وقت تُكثّف فيه الدولة جهودها للحدّ من ظاهرة القمار وتعزيز سيادة القانون، تبرز تساؤلات جدّية حول الآليات التي يعتمدها مكتب مكافحة القمار، بما يستدعي وقفة حازمة من القضاء والجهات الرقابية. فالمكتب يبدو ظاهريًا وكأنه يقود حملة واسعة لتوقيف المتورطين، إلّا أنّ ما يجري خلف الكواليس يكشف واقعًا مختلفًا، حيث يُظهر تحليل التوقيفات أنّ المستفيد الأول من هذه العمليات هم كبار المشغّلين في عالم القمار، إذ تُطال الإجراءات خصومهم تحديدًا، فتُصفّى الساحة من المنافسين، فيما يبقى “الكبار” ممسكين وحدهم بخيوط اللعبة. الأخطر أنّ معظم الملفات التي تُحال إلى القضاء تأتي شبه فارغة من أي مضمون قانوني، ما يؤدي إلى إطلاق سراح الموقوفين سريعًا لغياب الأدلة والقرائن الجدية.
المسار الذي يعتمده المكتب يفتقر في بعض الحالات إلى الالتزام بالأصول القانونية الملزمة لأي جهاز أمني، والتي تبدأ بالاستدعاء، ثم إصدار مذكرات الجلب عند الامتناع، وصولًا إلى تنفيذ المداهمات عند الضرورة وضمن الإطار القانوني المحدد. إلا أنّ ما يحصل اليوم يشمل مداهمات تُنفّذ مباشرة ومن دون إشعار مسبق، رغم أنّ الملفات نفسها لا ترقى في معظم الأحيان إلى مستوى الإدانة، ويُطلَق سراح أصحابها فور مثولهم أمام قاضي التحقيق.
ولا يعني هذا الكلام تبرئة أي طرف متورط في أنشطة غير قانونية، بل يهدف إلى الدعوة لحماية الأجهزة الأمنية من الانزلاق إلى مسارات تطيح بمفهوم العدالة وتُضعف ثقة الناس بجدية الدولة في مكافحة الظواهر المخالفة. فالعمليات التي ينفّذها المكتب، والتي باتت أقرب إلى البروباغندا الإعلامية منها إلى عمل مهني يستند إلى تحقيقات رصينة، تحتاج إلى مراجعة شاملة، خصوصًا في ظل ملفات تفتقر إلى أي قيمة قانونية فعلية.
المطلوب فتح تحقيق فوري وشفاف في هذه الممارسات، لأن المسّ بصدقية أجهزة الدولة يهدّد ما تبقّى من ثقة المواطنين، ويضرب ركائز تطبيق القانون في بلد يعيش أصلًا واحدة من أعمق أزماته.