اقليمي ودولي

الجزيرة
الجمعة 12 كانون الأول 2025 - 17:40 الجزيرة
الجزيرة

من السفن إلى المقاتلات… إخفاقات متراكمة في الصناعة الدفاعية الأميركية

من السفن إلى المقاتلات… إخفاقات متراكمة في الصناعة الدفاعية الأميركية

كشفت صحيفة نيويورك تايمز، في مقال، عن أزمة عميقة تضرب قلب الصناعة الدفاعية الأميركية، في ظل تسارع أنشطة الصين لتحديث ترساناتها العسكرية، وتراجع قدرات التصنيع في الولايات المتحدة.


وتتمثّل هذه الأزمة في تراكم المشاريع الفاشلة، وتعثر سلاسل التوريد، وضعف الابتكار، في وقت يتآكل فيه رصيد الردع الأميركي عاماً بعد عام.


ويشير المقال إلى إخفاق جديد في برنامج بناء السفن الأميركي، تمثّل أخيراً في إلغاء البحرية مشروع فرقاطات "كونستليشن" بعد 5 سنوات من التعديلات المتواصلة التي أرهقت سلاسل التوريد وطاقم التصنيع، وانتهت بتكلفة بلغت 3.5 مليارات دولار من دون إنتاج سفينة واحدة.


وتعتبر هيئة التحرير أن هذا الفشل يشكّل أحدث حلقة في سجل ممتد من الإخفاقات التي طالت مشاريع السفن منذ أكثر من 3 عقود، إذ ابتعدت معظم المشاريع عن الميزانيات والجداول الزمنية المحددة، ولم تحقق الأداء المطلوب.


ويوضح المقال أن هذه الإخفاقات لا تقتصر على قطاع بناء السفن، إذ تعاني برامج تصنيع المقاتلات والقاذفات من التأخر نفسه، بحيث أصبح إنتاج طائرة أو سفينة أو دبابة جاهزة للقتال يستغرق في المتوسط 12 عاماً، فيما يخسر سلاح الجو الأميركي طائرات متقادمة بوتيرة أسرع من قدرته على إنتاج بدائل جديدة.


ويضع هذا الواقع الولايات المتحدة أمام مخاطر تخلّف إستراتيجي، لا سيما مع تسارع وتيرة الإنتاج العسكري الصيني، الذي مكّن بكين من امتلاك أكبر قوة بحرية في العالم، والتفوّق بفارق كبير في إنتاج السفن التجارية والعسكرية.


وترى هيئة التحرير أن إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية باتت مسألة ردع وضرورة لمنع نشوب الحروب، إلا أن ضعف التصنيع يرتبط، في نظر الصحيفة، بالتركيبة الحالية للصناعة الدفاعية نفسها.


فمنذ تسعينيات القرن الماضي، تقلّص عدد شركات الدفاع الكبرى من 51 إلى 5 شركات فقط تُعرف بـ"رؤوس الصناعة" أو شركات النخبة، وهي: لوكهيد مارتن، و"آر تي إكس" (رايثون تكنولوجيز سابقاً)، وجنرال دايناميكس، ونورثروب غرومان، وبوينغ. وأدّى هذا التركز إلى إضعاف سلسلة التوريد الوطنية، واختفاء الورش الصغيرة التي كانت تؤمّن أجزاء حيوية للمعدات العسكرية.


وبحسب المقال، تعمل هذه الشركات الكبرى ببطء وتستفيد من غياب المنافسة، فهي بارعة في التعامل مع البيروقراطية، لكنها غير مهيأة للإنتاج السريع الذي يتطلبه عصر الصراعات الحديثة.


وتلفت الصحيفة إلى أن التجربة الأوكرانية أظهرت أن أنظمة قتالية رخيصة، مثل المسيّرات والزوارق الانتحارية، يمكن أن تتفوّق في بعض المواقف على ترسانة تقليدية باهظة الكلفة.


ويرى كُتّاب المقال أن شركات الدفاع الأميركية الكبرى تحتاج إلى إعادة هيكلة تسمح لها بمجاراة سرعة التصنيع، بالتوازي مع فتح الباب أمام الشركات الناشئة والمبتكرة القادرة على تقديم حلول سريعة ومنخفضة الكلفة.


غير أن الصحيفة تستدرك بأن هذه الخطوات تصطدم بعوائق كبيرة، أبرزها الضوابط التنظيمية التي تفضّل شركات النخبة، إضافة إلى فجوة واسعة بين تمويل البحوث ومرحلة الإنتاج، ما أدى إلى انسحاب 80% من الشركات الجديدة خلال 10 سنوات.


وتستعرض نيويورك تايمز الخلفية التاريخية لانهيار قطاع بناء السفن الأميركي، الذي كان يضم أكثر من 300 حوض لبناء السفن التجارية في ثمانينيات القرن الماضي، مشيرة إلى أن سياسات إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، ولا سيما إلغاء الدعم الحكومي، أدت إلى انكماش القطاع وتراجع الإنتاج بشكل كبير.


وترى الصحيفة أن تجربة "كونستليشن" ليست سوى نتيجة مباشرة لهذا الضعف البنيوي، إلى جانب نقص حاد في العمالة الماهرة واضطراب سلاسل التوريد.


وبحسب المقال، تحتاج الصناعة الأميركية إلى 140 ألف عامل جديد خلال العقد المقبل لتلبية الطلب المتزايد على الغواصات، وهو رقم يصعب تحقيقه في ظل تدني الأجور مقارنة بقطاعات أخرى.


وتشير الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأت بإعادة تقديم إعانات لبناء السفن، فيما أنفق البنتاغون نحو 6 مليارات دولار لإحياء القطاع، إلى جانب إطلاق شراكات بين الشركات والكليات التقنية وإنشاء أكاديميات تدريب.


ودعت هيئة التحرير الكونغرس إلى توسيع هذه الجهود وإقرار قانون "شيب" الهادف إلى زيادة عدد السفن التجارية التي ترفع العلم الأميركي، لكنها شددت على أن الدعم الحكومي وحده لا يكفي، إذ تراجع حجم الأسطول الأميركي بنسبة 45% رغم إنفاق نحو 700 مليار دولار على بناء السفن خلال 4 عقود.


كما أشار المقال إلى فشل مبادرات البنتاغون لتنويع موردي الأسلحة، ومنها برنامج "ريبليكاتور" لشراء آلاف المسيّرات الرخيصة، في ظل معاناة وحدات الابتكار التابعة للبنتاغون من نقص الموارد وضعف الصلاحيات.


وترى هيئة التحرير أن إدارة ترامب تستحق الإشادة ببعض الخطوات التي اتخذتها لمعالجة العجز الصناعي، ولا سيما عبر ضخ استثمارات في بناء السفن وتصنيع المسيّرات وإصلاح سياسات المشتريات.


وكان وزير الحرب بيت هيغسيث قد خاطب شركات تصنيع الأسلحة خلال مناسبة أُقيمت في الكلية الحربية الوطنية في واشنطن بتاريخ 7 تشرين الثاني قائلاً: "إما أن تنجحوا أو نفشل. إنها مسألة حياة أو موت".


غير أن نجاح هذه المبادرات، وفق الصحيفة، يبقى مرهوناً بقدرة الإدارة على تجاوز البيروقراطية ونيل موافقة الكونغرس، مؤكدة أنه حتى في حال تحقيق تقدم، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تعاون دولي واسع لمجاراة وتيرة الإنتاج العسكري الصيني.


وتختم نيويورك تايمز مقالها بالدعوة إلى تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي لإجبار الشركات على تصنيع كميات أكبر من الذخائر والصواريخ الحيوية، معتبرة أن الاستثمار في الصناعة الدفاعية لا يعزّز الأمن فحسب، بل يدعم الاقتصاد، إذ أسهم تاريخياً في نشوء صناعات كبرى مثل الطيران والروبوتات والتقنيات المتقدمة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة