اقليمي ودولي

ليبانون ديبايت
السبت 13 كانون الأول 2025 - 08:03 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

الاتفاق الذي يطرحه السوريون… والثمن الذي ترفض إسرائيل دفعه

الاتفاق الذي يطرحه السوريون… والثمن الذي ترفض إسرائيل دفعه

في مقال تحليلي نشرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، كتب المراسل والمحلل المختص بالشؤون العربية، جاكي حوغي، أن المنطقة تقف أمام لحظة مفصلية قد تُسجَّل كفرصة ضائعة جديدة إذا لم تطرأ انعطافة في اللحظة الأخيرة. فبين إسرائيل وسوريا طُرحت خلال الأشهر الماضية مبادرة لتسوية الوضع الأمني على الحدود، لا تقتصر دلالاتها على البنود التقنية أو الترتيبات الميدانية، بل كان يُنظر إليها على أنها حجر أساس لمسار أوسع من التفاهمات المستقبلية. المفاوضات جرت بجدية وعلى مدى أشهر، وشملت لقاءات مباشرة بوساطة أميركية، إلا أن المسار وصل في الأسابيع الأخيرة إلى طريق مسدود.


ويشير حوغي، نقلًا عن ما كشفته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية هذا الأسبوع، إلى أن الطرفين توصلا إلى تفاهمات تقضي بانسحاب إسرائيل من شريط أمني استحدثته داخل الجولان السوري، مع الإبقاء على تعديلات طفيفة. وبحسب مصادر الصحيفة، كان من المقرر توقيع الاتفاق في نيويورك قبل نحو شهرين ونصف، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس سوريا. غير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض التوقيع في اللحظة الأخيرة. ورغم نفي مكتبه لهذه الرواية فور نشرها، إلا أن النتيجة العملية واحدة: المفاوضات عالقة ولم تحقق اختراقًا.


جنوب سوريا اليوم، وفق توصيف الكاتب، منطقة مضطربة ومفتوحة على احتمالات خطرة. فهي تمتد بين السويداء ودرعا، وصولًا إلى القنيطرة على الحدود مع إسرائيل، وتقطنها مجموعات درزية وسنية وقبائل بدوية، في ظل توترات اجتماعية واقتصادية وطائفية حادة. ومع تبدّل الحكم في دمشق خلال العام الأخير، تراجعت قدرة الدولة على فرض سيطرتها الكاملة، وبرز منطق “اقتناص الفرص” في بيئة يسودها الغموض. ورغم محاولات السلطة الجديدة تثبيت الأمن، إلا أن ضعف الإمكانات وغياب الحوكمة الفاعلة في الأطراف جعلا المهمة شديدة التعقيد.


في هذا المناخ، وجد الدروز أنفسهم هدفًا لهجمات من مجموعات بدوية على خلفيات قديمة، كما تفاقمت الانقسامات داخل صفوفهم. في المقابل، يخشى السكان السنّة من أن تفرض إسرائيل واقع احتلال مباشر، على غرار تجربتي الشريط الحدودي في جنوب لبنان أو قطاع غزة، ما يدفعهم إلى إظهار القوة. وفي الخلفية، تراقب حماس وإيران هذا المشهد الهش وتحاولان استغلاله لإيجاد موطئ قدم جديد ضد إسرائيل.


وخلال العام المنصرم، شهد الجنوب السوري مجازر دامية بحق الدروز، إضافة إلى سلسلة اعتداءات، ما انعكس في نشاط متزايد للجيش الإسرائيلي عبر عمليات ليلية واعتقالات داخل القرى والبلدات المحاذية للحدود.


وبحسب تحليل “معاريف”، فإنه بعد سقوط بشار الأسد، ومع تزايد المخاوف من تفكك أمني شامل في الجنوب، دخل الجيش الإسرائيلي إلى عمق الأراضي السورية وسيطر على شريط أمني واسع يمتد نحو 75 كيلومترًا، ويتراوح عمقه بين مئات الأمتار وصولًا إلى 14 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.


في إطار المفاوضات، طالبت دمشق بانسحاب إسرائيلي شبه كامل إلى خطوط وقف إطلاق النار لعام 1974، أي إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل التحولات التي شهدتها سوريا في كانون الأول 2024. إسرائيل، من جهتها، أبدت استعدادًا لانسحاب جزئي، لكنها تصرّ على الإبقاء على معظم الشريط الأمني الجديد، بذريعة عدم ثقتها بقدرة الجيش السوري على منع نشاطات معادية في حال انسحب الجيش الإسرائيلي.


الرد السوري جاء واضحًا: دعوا المهمة لنا، فالمسؤولية الأمنية تقع على عاتق الدولة السورية. غير أن إسرائيل لا تخشى فقط فشل النوايا الحسنة، بل أيضًا احتمال تمرّد وحدات أو عناصر داخل الجيش السوري وتنفيذ عمليات ضدها. وتجارب العام الماضي، حين شاركت مجموعات مسلحة ترتدي زي الجيش السوري في هجمات ضد الدروز، عززت هذه المخاوف.


وفي مقابلة مع مجلة “المجلة” السعودية قبل شهر، شدد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي قاد المفاوضات مع إسرائيل، على أن أي تفاهم سيكون مرحليًا لا نهائيًا. وأوضح أن المقترح يقوم على خطوات لبناء الثقة، من بينها انتشار الشرطة في مناطق محددة ثم نقاط عسكرية لاحقًا، من دون نسف اتفاق 1974 الذي ظل ساريًا لنحو خمسين عامًا وحظي بمصادقة مجلس الأمن. كما رفض بوضوح أي محاولة لاستغلال ضعف الحكومة السورية الراهن لانتزاع أراضٍ جديدة.


ويخلص الكاتب إلى أن إسرائيل وجدت نفسها أمام معضلة حقيقية: إذا وقّعت على اتفاق وانسحبت من الشريط الأمني، قد تملأ فراغه قوى معادية وتنطلق منه هجمات. وإذا امتنعت عن التوقيع واستمرت في التمركز العسكري، فقد تواجه مقاومة متصاعدة ناتجة عن وجودها داخل الأراضي السورية. في الحالتين، المخاطرة قائمة.


أما الشارع السوري، ووفق استطلاع أجرته مجلة “فورين أفيرز”، فلا يزال بعيدًا عن فكرة السلام: فقط 14% من السوريين يؤيدون سلامًا كاملًا مع إسرائيل، فيما يرى 92% فيها قوة عسكرية مهدِّدة، في حين تحظى دول مثل السعودية وتركيا وقطر بصورة أكثر إيجابية.


ويذكّر المقال بأن السوريين لم ينسوا كثافة الضربات الإسرائيلية خلال العام الماضي، إذ تحدث الرئيس السوري أحمد الشرع عن أكثر من ألف غارة جوية، إضافة إلى مئات التوغلات البرية. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، تبدو الفرصة سانحة لتحييد القدرات العسكرية السورية قبل أن يتضح شكل النظام الجديد، لكن هذا النهج القائم على القوة له ثمن سياسي ونفسي باهظ: فمن يرغب في سلام مع طرف دمّر جيشه وبنيته العسكرية؟


ويختم حوغي بأن الأسابيع المقبلة تبدو حاسمة، فالمواقف باتت واضحة والمفاوضات استُنفدت. دمشق ترفض بقاء الجيش الإسرائيلي عميقًا داخل أراضيها، وتعتبره محاولة لفرض “ضم زاحف” بعد 58 عامًا على خسارة الجولان، فيما يبقى الحديث الأميركي المتكرر عن “سلام في الشرق الأوسط” أقرب إلى توصيف لمسار تفاوضي متعثر، لا إلى واقع سلام فعلي، سواء على المسار السوري أو في غزة ولبنان.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة