"ليبانون ديبايت"
يشهد المشهد اللبناني–الإسرائيلي مرحلة شديدة الحساسية، تتداخل فيها التهديدات العسكرية مع مسارات تفاوضية غير معلنة، في ظل ضغوط دولية متزايدة تهدف إلى منع توسّع المواجهة، وفتح الباب أمام ترتيبات أمنية وسياسية جديدة، لا سيما في جنوب لبنان. وبينما خفّ منسوب التهويل بالحرب الشاملة مقارنة بالمرحلة السابقة، برزت مؤشرات على انتقال الأطراف المعنية إلى توظيف هذا التهويل في سياق تفاوضي، يسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، خصوصًا في ما يتعلق بملف السلاح وترتيبات ما جنوب نهر الليطاني.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن التهويل بالحرب بلغ ذروته في المرحلة الأولى، لكنه لم يعد اليوم أداة فعّالة، مشيرًا إلى أن ما يجري حاليًا هو محاولة لاستثمار هذا التهويل سياسيًا وتفاوضيًا.
ويشرح بيرم أن هذا الاستثمار يتخذ شكل "عروض" سياسية يجري تسويقها في لبنان، مع ما يشبه افتتاح "مرحلة العروض"، رغم الضبابية التي لا تزال تحيط بمضمونها وطبيعتها. إلا أن هذه الطروحات، بحسب تقديره، تصبّ جميعها في خانة واحدة، وهي المباشرة بالحديث عن مرحلة "جنوب الليطاني" حصرًا، أي إخلاء هذه المنطقة بالكامل من السلاح.
ويشير إلى أن الأمور تتجه، كما بدأ يظهر مؤخرًا، نحو اعتماد المفاوضات ضمن إطار "الميكانيزم" القائم، مع العمل على توسيعه عبر تطعيمه بعضوين إضافيين، أحدهما شيعي والآخر سني، بما يضفي على المفاوضات بُعدًا وطنيًا أوسع، ويؤمّن لها غطاءً إسلاميًا يُضاف إلى الغطاء المسيحي القائم.
وفي هذا الإطار، يعتبر بيرم أن "اللعبة الأميركية باتت مكشوفة"، في محاولة للالتفاف على مسألة السلاح، ليس عبر طرح نزعه مباشرة، بل من خلال تعزيز الميكانيزم وتكريس المفاوضات، بحيث تتدحرج قضية السلاح لاحقًا تلقائيًا نحو الاتفاق، انطلاقًا من فكرة تجميده، باعتبار أن نزعه الكامل يبقى مسألة بالغة الصعوبة. ووفق هذا المنطق، يُفرض الاتفاق كأمر واقع على الساحة اللبنانية، لتصبح مسألة السلاح نتيجة لاحقة أو "تحصيل حاصل".
ويستحضر بيرم في هذا السياق تجربة المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق 17 أيار، معتبرًا أنها جرت ضمن مناخ مشابه، حيث فُرض مسار تفاوضي أدّى إلى وقائع سياسية وأمنية جديدة.
ويضيف أن لبنان يقف اليوم أمام محاولة للوصول إلى صيغة قريبة من هذا النموذج، في ظل واقع داخلي مشابه وإقليمي مختلف: حكم لبناني يميل إلى هذا الخيار، لا سيما على مستوى الرئاستين الأولى والثالثة، وسوريا غائبة عن المشهد بفعل التحولات التي أصابت النظام الجديد هناك، فيما يعاني حزب الله من صعوبات كبيرة بعد الضربات المؤلمة التي تلقاها. ويرى أن هذا الوضع يُستثمر لدفع الأمور نحو فرض أمر واقع، ليس بالضرورة عبر اتفاق رسمي، بل من خلال تسوية تُنتج واقعًا جديدًا على الأرض.
أما في ما خصّ تطعيم الميكانيزم بشخصيتين شيعية وسنية، فيرى بيرم أن الهدف الأساسي منه هو إضفاء غطاء إسلامي على مسار المفاوضات، ومنحها شرعية أوسع.
ويشير إلى أن المفاوض الذي يسمّيه رئيس الجمهورية، وفق القانون، بعيدًا عن الثنائي الشيعي، يُنظر إليه على أنه مدير شؤون المفاوضات. ويضيف أن رئيس الجمهورية قد يختار شخصية لا تحظى برضى الثنائي، كما حصل سابقًا مع تعيين سيمون كرم، إلا أن التواصل السياسي في هذه الحالة سيبقى محصورًا برئيس مجلس النواب نبيه بري.
ويخلص بيرم إلى أن المرحلة المقبلة هي مرحلة مفاوضات بامتياز، معتبرًا أن أي تصعيد ميداني محتمل سيكون في خدمة هذا المسار التفاوضي، وليس خروجًا عنه.