وفي هذا السياق، رأى الخبير والمحلل العسكري العميد المتقاعد بهاء حلال، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن تصاعد التهديدات الإسرائيلية لجنوب لبنان، وما جرى في بلدة يانوح ليلًا، إضافة إلى الاستهدافات التي تلتها، يوحي بأن العدو يحضّر لتوسيع عملياته، "ليس بالضرورة عبر حرب شاملة، بل من خلال توسيع رقعة ما يقوم به ميدانيًا".
وقال حلال إن هذا التصعيد يشير بوضوح إلى أن إسرائيل تتحضّر لفرض وقائع ميدانية جديدة، "إما كجزء من ورقة تفاوضية في لحظة حساسة، أو كأداة ضغط عسكري أوسع"، معتبرًا أن الموقع الحقيقي للمفاوضات يبدو هشًا، إذ يُفترض أن تكون الأجواء مهيّأة للتهدئة، فيما يسير الواقع الميداني بعكس ذلك، ما يكشف مأزقًا حقيقيًا في التوازن بين العمل العسكري والدبلوماسي.
وأكد أن إسرائيل تستثمر هذا التصعيد عبر رفع سقف شروطها، سواء في المفاوضات المتعلقة بالجنوب برعاية أميركية، أو في ملفات إقليمية أوسع كترسيم الحدود، أو في كيفية مقاربة وضع حزب الله ضمن المعادلة اللبنانية.
رسالة مزدوجة
وأوضح أن التهديد بعمل أوسع يحمل رسالة مزدوجة: إلى الداخل الإسرائيلي في محاولة لاحتواء الضغط السياسي بعد فشل الحسم في غزة، وإلى الخارج، وخصوصًا لبنان، بهدف خلق مناخ من الصدمة والترويع، ودفع الدولة اللبنانية أو الجهات الراعية إلى القبول بتنازلات وشروط أمنية جديدة.
ورأى حلال أن التصعيد لا يؤدي بالضرورة إلى تنازل، بل قد يعزّز التصلّب في المواقف، معتبرًا أن أي تنازل في هذه المرحلة قد يُفسَّر ضعفًا داخليًا، وهو ما لا تريده الساحة اللبنانية المنقسمة أصلًا، في وقت تحاول فيه السلطة الموازنة بين الاتجاهات المتناقضة.
تحذير خطير
وحذّر من السيناريو الأخطر المتمثّل بخروج الأمور عن السيطرة نتيجة خطأ في التقدير، خصوصًا في حال تجاوز الخطوط الحمراء عبر ضربات وجودية في العمق اللبناني أو استهداف المقاومة بشكل مباشر، "وعندها لا المفاوضات ولا الوسطاء سيكون لهم أي دور فاعل".
الربط بين 1982 و2025
ويربط العميد حلال بين الهجوم الذي وقع في مدينة سيدني الأسترالية والمناخ الذي سبق اجتياح لبنان عام 1982، موضحًا أن ما جرى في أستراليا يحمل أوجه تشابه مع تلك المرحلة من حيث الوظيفة السياسية للحدث، لا من حيث الواقع أو السياق العام.
ويشرح هذا الربط عبر مقاربة تفصيلية، تبدأ بأوجه التشابه، حيث يشير إلى أن الحدث الأمني وقع خارج الحدود، تمامًا كما حصل عام 1982 مع محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، وهو حادث جرى استخدامه حينها لتبرير عمل عسكري واسع النطاق. واليوم، يلفت إلى أن هجوم بوندي في سيدني عام 2025 قد يُوظَّف بالمنطق نفسه، أي كذريعة سياسية أو أمنية لتبرير تصعيد عسكري.
أوجه التشابه
ورأى أن الاتهام المباشر والسريع لإيران من دون تحقيق نهائي أو بدئي، تمامًا كما حصل سابقًا باتهام منظمة أبو نضال بشكل مبكر، يتقاطع مع الضغوط الداخلية التي كانت تعاني منها القيادة الإسرائيلية آنذاك، حيث كان كل من أرييل شارون ومناحيم بيغن يواجهان أزمات داخلية، فيما يعيش رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو حالة ضعف مشابهة في ظل معارضة داخلية حادة وإخفاق عسكري واضح في غزة.
وفي المقابل، يلفت إلى فوارق أساسية لا يمكن تجاهلها. ففي عام 1982، كانت إسرائيل تبحث عن ذريعة استراتيجية لإنهاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وفرض نظام سياسي حليف لها. أما اليوم، فإن إسرائيل تخوض حربًا مفتوحة في قطاع غزة، وأي فتح لجبهة جديدة مع لبنان سيُعد مقامرة كبرى، ما لم تكن قد ضمنت دعمًا أميركيًا استثنائيًا أو قررت تغيير قواعد الاشتباك بشكل جذري.
اي ضربة تعيد خلط الاوراق
وفي ما يتصل بإيران ولبنان، يشير إلى أن الحديث المتداول عن لقاء محتمل بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يوحي بأن هناك من يرى في مثل هذه الأحداث محاولة لضرب مسار التسويات أو أي حوار أميركي–إيراني. ويؤكد أن أي ضربة تُنسب إلى إيران قد تُستخدم لإعادة خلط الأوراق إقليميًا، بما قد يفضي إلى توسيع رقعة الحرب.
ويطرح في هذا السياق السؤال الجوهري: هل نحن أمام حرب حتمية؟ ويجيب بأن الأمر غير مؤكد. لكنه يحذّر من أن استخدام هجوم بوندي كذريعة لتوجيه ضربات استباقية ضد اليمن أو إيران أو لبنان أو غزة قد يؤدي إلى تدهور سريع وخطير للأوضاع. أما إذا جرى توصيف الحادث إعلاميًا فقط ضمن إطار الحرب النفسية، فقد يبقى التصعيد في حدوده السياسية، لا سيّما في حال توجيه الاتهام إلى إيران، مع التشديد على ضرورة انتظار نتائج التحقيقات الأسترالية، خصوصًا أن أحد المهاجمين لا يزال في حالة حرجة ويخضع للعلاج والتحقيق.
الأجواء ملتهبة
ويخلص إلى أن الأجواء ملتهبة، وأن الربط بين الأحداث الأمنية الخارجية والتصعيد العسكري ليس جديدًا في العقيدة الإسرائيلية، إلا أن الظروف الدولية الراهنة، والأعباء الثقيلة التي تتحمّلها إسرائيل في غزة وخارجها، تجعل خيار الحرب مع لبنان أكثر خطورة وكلفة مما كان عليه عام 1982. ويرى أن تصاعد التهديدات الإسرائيلية لجنوب لبنان، وما جرى في يانوح ليلًا والاستهدافات، يمكن إدراجه ضمن سياق مرتبط بما حدث في أستراليا.
ويربط أيضًا بين الأحداث الثلاثة: ما حصل في يانوح أمس، وما تعرّضت له القوات الأميركية في تدمر، وما جرى اليوم في سيدني، معتبرًا أنه من "العجيب والغريب" أن تتزامن هذه الأحداث في توقيت واحد.