في تحليل موسّع نشرته صحيفة نيويورك تايمز، رأت الصحيفة أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يقف أمام سنة مفصلية قد تكون الأكثر حسمًا في مسيرته السياسية، وسط تداخل غير مسبوق بين أزمات داخلية وضغوط خارجية، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المتوقع في عام 2026.
وبحسب التحليل، فإن نتنياهو، المعروف تاريخيًا بقدرته على كسب الوقت وتأجيل القرارات المصيرية والحفاظ على الغموض السياسي، يجد نفسه اليوم محاصرًا من أكثر من اتجاه. فمحاكمته الجنائية بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة تتقدم، فيما تتعثر خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بقطاع غزة، بالتوازي مع مؤشرات استطلاعات رأي لا تصبّ في مصلحته وتلمّح إلى احتمال خسارته الانتخابات المقبلة.
وتشير الصحيفة إلى أنّ الضغوط لا تأتي فقط من المعارضة أو الشارع الإسرائيلي، بل من قاعدته السياسية نفسها، إذ يطالب جناح اليمين المتشدد باتخاذ خطوات تصعيدية، أبرزها الدفع نحو ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، رغم تحذيرات مباشرة من الرئيس ترامب بأن أي خطوة من هذا النوع قد تستدعي ردًا أميركيًا قاسيًا وتوترًا غير مسبوق في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.
وقبيل اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب في فلوريدا، تلفت نيويورك تايمز إلى تصاعد التوتر بين الطرفين. ففي حين تسعى الإدارة الأميركية إلى تهدئة إقليمية شاملة وترتيب ملفات الشرق الأوسط، ترى واشنطن أن استمرار الضربات الإسرائيلية في غزة وسوريا ولبنان يقوّض هذه الجهود. وتشير الصحيفة إلى أنّ ترامب بات يُظهر نفاد صبر واضحًا، وقد يلجأ إلى ممارسة ضغط مباشر على نتنياهو، الذي يأمل في المقابل بالحصول على دعم أميركي متجدد لمواصلة الضغط على إيران.
وتبرز غزة كأحد أكثر الملفات تعقيدًا أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية. فرفضه إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع يعرقل خطة ترامب لإقامة قوة استقرار دولية، ويُبعد إمكانية تحقيق اختراق على مسار التطبيع مع السعودية، التي تشترط وجود أفق واضح لإقامة دولة فلسطينية. وترى الصحيفة أن هذا التعقيد يجعل نتنياهو عالقًا بين متطلبات حلفائه في اليمين وبين الإملاءات الأميركية.
على الصعيد الداخلي، يواجه نتنياهو تحديًا إضافيًا يتمثل في الحفاظ على تحالفه مع الأحزاب الدينية المتشددة، عبر تمرير قانون جديد يعفي طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، في خطوة يُتوقع أن تثير غضبًا واسعًا في الشارع الإسرائيلي المنهك من الحرب. وتنقل الصحيفة عن خبراء تقديرهم بأن نتنياهو يسعى إلى تأجيل الانتخابات قدر الإمكان، على أمل أن يتراجع الغضب الشعبي المرتبط بقانون التجنيد.
سياسيًا، تُظهر الاستطلاعات، وفق نيويورك تايمز، أن معسكر اليمين والأحزاب الدينية قد يحصل على نحو 52 مقعدًا فقط، مقابل حوالى 58 مقعدًا لمعسكر الوسط واليسار، إضافة إلى نحو 10 مقاعد للأحزاب العربية. هذا الواقع يفتح، نظريًا، أمام نتنياهو خيار التوجه نحو الوسط السياسي، وربما التعاون مع شخصيات مثل نفتالي بينيت، مقابل التخلي عن وزراء اليمين المتطرف مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. إلا أن الصحيفة تشير إلى أن نتنياهو لا يزال يعتمد على هذا التيار المتشدد لدفع مشروع التعديلات القضائية، التي يُنظر إليها على أنها وسيلة محتملة لتحسين موقعه في معركته القضائية.
وتكشف الصحيفة أيضًا أن نتنياهو تقدّم بطلب عفو إلى رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، في خطوة حظيت بدعم علني من الرئيس ترامب، ما أثار جدلًا واسعًا حول التدخل الأميركي في الشأن الداخلي الإسرائيلي. ورغم تأكيد نتنياهو العلني أنه لا ينوي التنحي، وقوله إن “من يصنع التاريخ لا يتنحى”، يرى محللون استشهدت بهم نيويورك تايمز أن خياراته باتت محدودة للغاية.
وبحسب التحليل، فإن طريقَي الخروج المتاحين أمام نتنياهو يبدوان قاسيين ومتعارضين: إما المضي قدمًا في استكمال التعديلات القضائية بما يهدد أسس النظام الديمقراطي الإسرائيلي، في محاولة للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، أو التوجه نحو صفقة ادعاء تتيح له الانسحاب من الحياة السياسية، مقابل إنجاز تاريخي يتمثل في اتفاق سلام أو تطبيع مع السعودية.
ويخلص التحليل إلى أن نتنياهو لا يزال يملك، نظريًا، فرصة لتغيير صورته التاريخية، إذا ما قرر فك ارتباطه بحلفائه المتشددين وعرض تسوية شاملة على المعارضة تشمل وقف التعديلات القضائية، إلا أن الصحيفة تعتبر أن مثل هذا السيناريو، في ظل توازنات القوى الحالية وشخصية نتنياهو السياسية، يبدو بالغ الصعوبة وقريبًا من المستحيل.