Beirut
16°
|
Homepage
عالم بلا أحزاب!
بول شاوول | المصدر: المستقبل | الاحد 21 أيار 2017 - 6:13

السجالات قائمة حالياً في «الغرب» على قدم وساق، حول الديموقراطية، والأحزاب الراهنة، والشعبويّة، بعد «البريكست»، والانتخابات الأميركية، والفرنسية، وبعدها: انهيار سياسي لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. مَن المسؤول: الأحزاب، الأنظمة، الديموقراطيات، الطبقات الحاكمة، تراجع «الوعي» السياسي، الاقتصادي، انهيار القيم التنويرية، العولمة «الشعبوية»؟ كل مفكر وكاتب وصحافي ومحلل وفيلسوف يدلي بدلوه؛ بعضهم يعتبر أنّ الديموقراطية المركزية هي «الداء». آخرون: إنها الأحزاب. وآخرون: إنها ثنائية اليمين واليسار: كلٌّ يغنّي على ليلاه، ويعزف مواويله. فوضى في المقاربات، تناقضات، انقسامات، وغموض في فكرة «التعددية» التي تقوم عليها الديموقراطيات الغربية، والتباس في دور الأحزاب: أهي التي تحولت نوعاً من أوليغارشيات «أرستقراطية»، منفصلة عن هموم الناس، فشوّهت الديموقراطية باعتبار هذه الأخيرة تلازماً بين الفكر السياسي والالتزام والممارسة؟

هل قالت لنا الانتخابات الأميركية والفرنسية إنه يجب إعادة النظر بالأنظمة الحزبية (ثنائية الجمهوري - الديموقراطي في أميركا، والعمالي والمحافظين في بريطانيا، ومثيلها الجمهوري واليساري في فرنسا)؟

هل الأحزاب هي التي أدت الى هذه الانقسامات العمودية بين الناس، الى درجة «التقسيم» الجغرافي الذي أصبح شبه طبقي حتى في أميركا وفرنسا، أو حتى شبه «ديني» أو «شعبوي»؟، أو انفصالي، أو حتى عدائي؟


لم يعد تناول «الديموقراطية»، و«الأحزاب»، مجرد نقد «مناسبي» يصيب بعض سلوكها، بل نَفَذَ الى عمق وجودها: الديموقراطية أما زالت لزوماً، أم باتت خطأ مستمراً؟ والأحزاب أباتت لزوم ما لا يلزم؟ وحتى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية... ما زالت تعبّر عن تطلعات الناس؟ بل إنّ التشكيك أدرك «الشعب»: أهو يتمتّع بأهلية الاختيار؛ أوليست الديموقراطية نفسها التي يُمارسها هذا الشعب ضمن خانات الأحزاب، هي التي بتكوينها، ومواصفاتها، أوصلت الشعب الى هذا الأَدراك من العجز عن معرفة مصالحه، وقضاياه، بحيث صار يصوّت ضدّها؟ هل الديموقراطية، بيسارها ويمينها، مجرد «ترف» عند الأوليغارشية، والبرجوازية، للتعمية وصولاً الى النظام نفسه؟

لكن الديموقراطيات عند أهل الغرب، ما زالت «شغّالة» في تنظيم انتخابات (تتقاسمها الأحزاب)، لتكوين حكومات شرعية! عال! لكن الطرق المُتّبعة في الانتخابات الديموقراطية هل تؤدي الى حكومات ديموقراطية؟ أتستمر مثل هذه القوانين الانتخابية في إنجاب هذه الضروب من الحكومات غير الديموقراطية: الماضي القريب يقول إن هتلر وصل الى السلطة بالطرق الديموقراطية. وكذلك برلسكوني؟ وشافيز، ولولا،.. وتريزا ماي، وأوربان... (وصولاً الى نتنياهو وبوتين وأحمدي نجاد...)! والنتيجة؟ إفراز أنظمة يسارية أو مذهبية يمينية دكتاتورية أو شعبوية، أو فاسدة.

طبعاً، ليس علينا أن نساوي بين شرعية هذه الانتخابات، لكن في النهاية، أوليست الهشاشة التي عبّرت عنها الديموقراطية أنجبت كل هذه الأمراض الشعبويّة، والمذهبية، والعنصرية، والوحشية؟

لكن، إذا قبلنا هذه «الأحكام»: أي لا يمين ولا يسار، ولا انتخابات، ولا أحزاب، وتالياً لا نقابات رسمية، أهناك بدائل؟ وما هي؟ بل وما هي أعراضها؟

] عالم بلا أحزاب

هل يمكن أن يخلو العالم فجأة من أحزابه؟ وعندها ماذا يجري؟ الفوضى؟ الاتجاهات المتطرّفة؟ التحركات الإنفجارية المرتجلة؟ أيمكن أن يقود العالم نفسه؟ والشعب نفسه من دون أدوات وأنظمة وأفكار ونُخب سياسية تعددية، تمنح شرعية لظواهره وتجلياته؟، أيمكن أن يستغني العالم عن الأحزاب التي تُشكل في كثير من الأحيان «ضوابط» تحول دون انفلات الغرائز والأهواء والفوضى والحروب الأهلية والصراعات المذهبية والإثنية؟

هنا بالذات، سنُعاين بشيء من الارتجاعيّة، وسط الواقع العربي السابق والحالي، وصولاً الى اللبناني؟

الثورات العربية

قبل ما يُسمّى «الثورات» العربية الحزبية التي سطت على السلطة بانقلابات عسكرية، (في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا)، كان في هذه البلدان المذكورة أحزاب ونقابات وموالاة ومعارضة وصحف وانتخابات وبرلمانات وتعددية... نعمت بكثير من التوازن الاجتماعي، وممارسة ديموقراطيات «نسبية» طبعاً. لكنّ المشكلة أنّ هذه «الثورات» (ومعظمها من غير شر اشتراكي)، ألغت الأحزاب. الثورات الحزبية ألغت الأحزاب، وفرضت نظام الحزب الواحد؛ وحوّل كثيرها الانتخابات الرئاسية «استفتاءات» تختصر التصويت بـ«لا» أو نعم؛ لتؤدي النتائج المنُتظرة الى حيازة الرئيس المفدّى 99,99 في المئة من إرادة الشعب. ولأنّ فراشة واحدة لا تصنع ربيعاً، فإن حكم حزب واحد، أحادي، وحيد أحَد، لا يصنع ديموقراطية، ولا حياة حزبية ولا نقابية، ولا ثقافية، ولا إعلامية ولا اقتصادية وطبعاً لا سياسية: انتفت المنافسة «السياسية» بل انعدمت. لا حياة لها، ولا وجود، ولا صراع.

الرئيس المُفدى هو الذي بات ينتخب «الشعب» لينتخبه؛ وهو الذي ينتخب البرلمان ليشرعنه، وكذلك الحكومات، والشعراء، والصحافيين، والمفكرين كل هؤلاء صاروا يُختارون بعمليات «انتخابية» من قبل الرئيس. إنه العدم. والقمع. والموت. والسجون. والاغتيال. والنفي. فالنظام الأحادي هو الذي يُحاسب الشعب، والبرلمان، والحكومة، والمثقفين، والصحافيين، وليس العكس.

فالحزب الواحد، هو نفي للدور الحزبي، الذي يلعب عادة دور الوسيط بين الشعب والدولة. لا شعب ولا وسيط ولا دولة. وهكذا تصبح أحزاب البعث السوري والعراقي والليبي واليمني في قبضة شراذم من مخابرات وعسكر، ثم في «عهدة» عائلية، ففي حضن طائفي. وهذا المزيج الكيميائي يُفرّغ المجتمع من كل تنوعية، فكرية، فلسفية، ثقافية، نقابية بحيث يصير الفراغ سيّداً، ويحسّ الشعب بأنّه لا حول له ولا قوّة، مدفون في آلامه ومغدور في سلبيّته، ومنهوك في حياته، ويائس في تطلعاته: وحيداً يصبح الشعب لا معينَ له، ولا سند إلاّ الرحمات الغيبية، والإيمان بالمعجزات، واللجوء الى الخرافات، والأديان، والطائفية، أملاً بدرء الاستباحة، والانتهاك، وصولاً الى سيادة الخوف. فسيادة الرئيس يصبح سيادة الرعب والهول والبطش والنهب. لكنّ استكانة هذا الشعب بقبوله المزدوج النظام والأمل بالغيوب، تريح الأنظمة لتسعى الى تصدير طغيانها، بكل راحة، وبغير حسيب، أو معارض، الى جوارها: كلهم جاؤوا الى لبنان: الأسدان (أو أكثر، وها هي عائلة أسود)، وصدّام، و«القذافي». لتنضاف إليهم إسرائيل؛ جاؤوا الى بلد مسالم، فيه من الحرية والديموقراطية والتعددية الحزبية ما يُعينه على ممارسة ديموقراطية ما، من لوازمه المذهبية، والعلمانية: أحزاب طائفية مسيحية إسلامية + أحزاب يسارية (الشيوعي، منظمة العمل الشيوعي) قوميّة (البعث + الناصرية)، ليبرالية (الكتلة الوطنية) صانعة ديموقراطية ما، يتمتع فيها اللبنانيون بتعدّدية ندرتْ في الجوار العربي، وزُيّفت في إسرائيل (دولة دينية): انتخابات، تداول سلطة، يمين ويسار، موالاة ومعارضة، حرية صحافة، محاكم مدنية، نهضة ثقافية، مختبر تجارب سياسية... اقتصاد مُريح: كانت الليرة اللبنانية في السبعينات «عملة صعبة»، ازدهار سياحي...عال! عزّ على أنظمة القائد الواحد، والحزب الواحد، رؤية «شقيقهم» الأصغر يتمتع شعبه بما حرموا منه شعوبهم. إذاً، فلنصدر تجربتنا الى لبنان، والطريقة المثالية، هي ضرب كل هذه المنجزات «التخريبية» التي يتمتع بها، والأسلوب: فتح الجروح التاريخية: الطائفية... واسترجاع حروب 1860 و1958، لكن بشكل أوسع، «لنمزّقْ وحدته، لنمزق تعدديته، ونعطب ديموقراطيته لنعدم حرياته»، ليس من بعيد، بل بالمساهمة في «صنع الحروب» التقسيمية؛ فعندنا عرفات ومن مصلحته أن ينفصم لبنان، بحروب أهلية (مستشاره الجهنمي أبو أياد)، وهكذا يكون هذا البلد المكسور بخطوط تماس، وقتل على الهوية، وكانتونات، منطلقاً للثورة الفلسطينية، ولتكن بيروت هي «عاصمة» هذه الثورة.. وتبِعه في هذا الانخراط المباشر حافظ الأسد (منقذ المسيحيين)، وصدّام ليزاحمه على وجوده، فالقذافي... فشارون!

كلّهم صاروا هنا في بلد تجرّدَ من كل شيء: سيادته، استقلاله، تعدّديته، اقتصاده، انفتاحه، ديموقراطيته: صار لبنان من دون كل هذه الملاذات، والأدوات، عارياً، يُحارب بعضه على أساس أنّ كل طائفة صارت عدواً للأخرى. وكل طائفة مرتبطة بالخارج، وتحوّلت أحزابه ميليشيات، اليمينية منها واليسارية، المسيحية والإسلامية... نجح هؤلاء بتغيير هويّة لبنان، وجعلوا هذا الأخير على شاكلة بلدانهم! انتهت الأحزاب، ودمّرت أشكال التمازج الديمغرافي، وساد التهجير والتدمير، كل لبنان.

مصنع الحروب

لبنان بات بلا لبنان، مصنعاً للحروب، والعنف، والتطرف والمجازر بإشراف جماعات «الحزب الواحد» + إسرائيل.

انهارت أدواتهم الحزبية (الى ميليشيات) والنقابية (الى استرهان خارجي)، وجامعته الوطنية الى سوبر ماركات مذهبية... هذه الأوضاع استمرت، بعد خروج إسرائيل والوصاية السورية؟ وعندما انفجرت ثورة «الأرز»، تنفّس كثيرون الصعداء: عاد لبنان. نعم! نزل الشعب اللبناني بمظاهرات مليونيّة: تحرّر الشارع، وتحرّر الناس... لحظة تاريخيّة واعدة... لكن لم تكن كافية: كل الأحزاب التي شاركت ميليشياتها في الحروب... انتهت أو ضعفت: يميناً ويساراً، فالعقل الميليشيوي التقسيمي استمر، والمذهبية تعمّقت بعد ذلك، بوجود «حزب الله» الذي تولى مهمة إدامة لبنان رهينة «خارجية»، والحؤول دون استرجاع حرّيته. لكنّ الانتخابات شغّالة، البرلمانية، البلدية، النقابية، لكن من دون تعدّدية فكرية: فالتعدّدية المذهبية ليست لا حضارية، ولا تنوّعية: بل أحادية، كأنّ لبنان صار حزباً واحداً طائفياً بأسماء مختلفة.

هذا بالذات ما نعيش اليوم: فالميليشيات التي استخدمت كأدوات حروب الآخرين، ها هي موجودة في «العصر المدني»، لكن من دون لا روح حزبية، ولا فكر حزبي، ولا انتماء عمومي، ولا حوار جدّي، ولا حياة سياسية... فالوصايات والاحتلالات ألغت ما يُسمى الحياة السياسية، ودام الأمر. فالحياة السياسية هي صراع يقوده المجتمع المدني... لكن أين هو المجتمع إذا كان بقيادة أحزاب طائفية!

لا أحزاب إذاً. لا نقابات. لا ديموقراطية (سوى لحظة التصويت، وحتى هذه اللحظة مشوّشة)، لا عدالة، لا تواصل، لا تسوية، لا دور جامعاً للشعب: إنها الشعوبية الطائفية المعمّمة!

هل صار الغرب مثلنا؟ هل أوصلته الديموقراطية الى ما أوصلنا إليه الطغاة، والدكتاتورية، والوصايات، هل دمّرت الديموقراطية عند الغرب الديموقراطية. واليسارُ اليسارَ، واليمينُ اليمينَ، والشعبوية الشعب، والتطرف الإثني، والعنصرية، ما أوصلتنا إليه الطائفية؟

إنها مقاربات قد تصح كلها أو لا تصحّ، لكنّها، قابلة في النهاية الى مقارنة، ومقارنة بين حصيلتَين: الأولى من خراب الديموقراطية، والثانية من خراب الكانتونيّة..

لكن، في النهاية، نرى أنّ كل الأفكار التي تصبّ في «كراهية الديموقراطية» وإدانة الأحزاب، وطمس الثنائي اليمين واليسار، لا تؤدي سوى الى جدران أخرى، وانفلاتات أخرى، وكيانات أخرى، وحروب أهلية.

صحيح أن الديموقراطية ما عادت تستوعب المتغيرات كلها، خصوصاً الظواهر الاقتصادية المعولمة، باعتبار أن معالجة الاقتصاد في إطار وطني محلّي، باتت مستحيلة، لأنّها باتت مسألة عالمية، وصحيح أنّ الأحزاب ارتكبت موبقات وأخطاء ومجازر وخيانات للشعب، وللوطن... لكنّها، ما زالت ضرورية بتنظيماتها المتعددة، كوسيط مثالي بين الشعب والدولة.

هذا ضروري في الغرب... وصولاً الى العالم العربي، وتحديداً الى لبنان، شرط أن تطوِّر هذه الأحزاب أفكارها الديموقراطية، وتخرج من المستنقعات المذهبية... وتكفّ، عن إظهار نفسها، الضحية المتداولة.

فبدلاً من تداول دور الضحية، فليصبح تداول السلطة قاعدة ديموقراطية... تجسدها أحزاب عريقة أو جديدة، مدنية، أقصد من دون ميليشيات، أو أسلحة، أو مشاريع خارجية، تهدد البلد باستمرار.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
نائب يودّع العزوبية بعد أسابيع! 9 الرواية الحقيقية لـ "إنفجار دورس"! 5 طائرة تهبط في مطار بيروت وعليها عبارة "تل أبيب"! 1
مرة جديدة... الجيش الإسرائيلي يستهدف بعلبك! (فيديو) 10 عملية للحزب في عمق اسرائيل... صقور متفجرة تدك القاعدة العسكرية الأكبر! 6 "الإتفاق حصل"... بو صعب سيبلغ بري بهذا الأمر! 2
200 ألف مقاتل سوري يهددون لبنان.. ناجي حايك يتحدث عن "أمر كبير" طُلِب من الحزب ويكشف حقيقة جبران! 11 رواتب القطاع العام في خطر هذا الشهر! 7 صوت قوي "يوقظ" سكان الجديدة... ماذا حصل عند "ABDO"؟! (فيديو) 3
بعد إنتحار شاب... نائب يُثير موضوع ألعاب الميسر 12 الإثنين يوم مفصلي... هل يحمل البشرى؟! 8 أرسل صوراً لـ"القبة الحديدية"... هكذا خدعت طهران جندي إسرائيلي! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر