ليبانون ديبايت - روني الفا

لَم تَكن زيارَة " التجدّد للروم الكاثوليك" لِقائِد الجيش العِماد جوزف عَون زيارَة بروتوكوليَّة ( تقلّصَت مساحَة التّهاني حتّى لَتَكاد تشعُر وأنتَ في مَكتَبِ "القائِد" أنَّ جعبَتهُ جاهِزَةٌ لأن تُستَلَّ علَى خَفَرٍ مِن إحدَى زَوايا المَكتَب وأنَّ الحيّزَ فيهِ لا يتَّسِع سِوى لِمُستَلزَماتِ مواجَهَة الإرهاب التي أضحَت مِن حواضِرِ اليَرزَة).

لَم يَخرُج قائِد الجيش عن الإجماع الذي ردّده كلُّ القادَة السابِقينَ للجيش بَدءاً باللواء الراحِل فؤاد شهاب مروراً باللواء قَهوَجي وصولاً إلى العِماد عَون ومفادُهُ أنَّ صمودَ الجيش من غيرَةِ أهلِه عليه..الأهلُ الذينَ يَطأونَ سَهلاً مَعه أينَما وَطَئَ، فيأكلونَ مَعَهُ ويرفَعونَ الدُشَمَ مَعَه ويبنونَ السّواتِرَ مَعَهُ ويصلّونَ لَه هذا بالحَمدَلَة وذاكَ بالبسمَلَة تَجويداً أو تَرتيلاً وبَلا جَدَلٍ بيزنطي!

لَم ينطق القائد ببنتِ شفَة عندَما سُئِلَ عَن الطّبقَة السياسيَة. لَم يُطرِق برأسِهِ تَفكيراً قبلَ أن يؤكِّدَ بشيئٍ مِنَ الخَجَلِ المُحَبَّبِ أنهَ قائِدٌ مقاتِلٌ وأنهُ يُخاطِبُ السلطَة السياسيَّةَ بلغَةِ الإستئذانِ والإنضِباط والحِسِّ المُرهَفِ بِجَدوى التراتبيَّة.

لَم تمرَّ خَطرَةٌ في بالِنا عنهُ تشوبُها شِبهَةُ الأحلام السياسيَّة...العِمادُ مَسكونٌ بالحدود ويكادُ يَعرِفُ طرقات الغنّامَة والرُّعاة مُسَلسِلاً القَرى الحدوديَّة في سلسلة الجِبال الشرقيَّة مُبدِياً خبرَة جيوسياسيَّة "عَرساليَّة" يَتوافَدُ المُرسَلونَ والمراسِلونَ ليستَطلِعوا رأيَهُ فيها.

" الجيش اللبناني لا يُحاكِم مَيدانيّاً بَل يُداهِمُ ويوقِفُ ويُحيلُ إلى القضاء العَسكَري ويَنحَني أمامَ سلطَةِ القاضي" ( بالمُقارَنَةِ مَع الجيوشِ الأخرَى تَدومُ النِّعَم!) ويضيفُ: " الإرهابُ يعرِفُ أنَّ خاصِرَتنا الرّخوَةَ هي المَدنيين لذلكَ يتخِّذُهُم دروعاً." ثمّ يردفُ قائِلاً: " الجيش لا يقتُلُ مَوقوفين بَل يقدّم للجَرحَى منهم إسعافاً وعِلاجاً ومؤسسات حقوق الإنسان أدرَى بذلك من غيرِها باحترامنا لهذه الحقوق".

هَل دَنَت خَواتيمُ النّزوح؟ لا يَبني القائِدُ استراتيجيَّته العسكريَّة عَلَى دُنُّوِها مَخاَفَة أن يفضي ذلكَ إلى تَليينِ القَبضَةِ الحَديديّةِ الممسكةِ بِزَمامِ المبادَرَة والعَمَل الإستِباقي المُحتَرِف فينسلُّ الإرهابُ خِفيَةً وتَخفّياً مِن مَسامِ هشاشَتِها. يفضِّلُ القائِدُ ألا ينتَظِرَ السياسَةَ فيما تفضِلُّ السياسَةُ أن تنتظِرَ الإنتظار تيمّناً بالمَقولَةِ التي تَجعَلُ مِن مرورِ الزّمنِ تَرياقاً لكلِّ داء!

بلَدٌ نَزوحٌ ( والنُّزحُ بُعدٌ في اللغَةِ أيضاً وليسَ انتقالاً قسرياً فَقَط) هوَ بَلدُنا ولَو كنّا عَلى قابِ قَوسينِ مِنهُ، بَلَدٌ يظنُّ خِلافاً للرجاحَةِ أنَّ مُحيطَهُ يرأفُ بِهِ أو يَحِنُّ إليهِ وعَلَيه، بلدٌ يظنُّ أنَ أزمَتهُ تقضُّ مَضاجِعَ الكَون فيما هي تقضُّ مِضجَعَهُ وسطَ غربَةٍ مفجِعَة، بَلَدٌ فيه جيشٌ يَكادُ يَكونُ آخِر المَعاقِل التي تُعرّينا مِن وَرطَتِنا والمرفأَ الوحيد لأحلامِنا المرميَّة فوقَ أطنان النفايات وآلافِ الشّوادِرِ النازِحَة وملايين الدولارات المَنهوبَة!