Beirut
16°
|
Homepage
"جعجع" ثانٍ خلف القضبان؟!
ريتا الجمّال | المصدر: ليبانون ديبايت | الخميس 31 آب 2017 - 2:00

"ليبانون ديبايت" - ريتا الجمّال:

الرئيس المصري السّابق محمد مرسي، الرئيس الفرنسي السّابق جاك شيراك، وزير البيئة العراقي السّابق سرجون صليوه، رئيس البرازيل السّابق لولا دا سيلفا، وزير الداخلية المصري اللّواء محمّد إبراهيم، الرئيسة السّابقة لكوريا الجنوبيّة باك غن هيه، الرئيسة البرازيليّة ديلما روسيف، الرئيس المصري السّابق حسني مبارك، رئيس الأكوادور عبد الله بوكرم، الرئيس الفنزويلي كارلوس أندرس، رئيس البيرو ألبرتو فوجيموري، الرئيس الأندونيسي ألبرتو فوجيموري، رئيس ليتوانيا رولانداس باكساس... هذه الأسماء وغيرها الكثير بعد، هي عبارة عن لائحةٍ تضمّ رؤساء جمهوريّات ووزراء وشخصيّات سياسيّة نافذة، صدرت بحقّهم أحكام قضائيّة، وجرى إدانتهم لارتكابِهم جرائم بمختلفِ أنواعها، فنالوا عِقابهم وانتقلوا من "القصر" إلى السّجن. حتّى إنّ من صدرت أحكام بتبرئتهِ قرّر هو الانسحاب والاستقالة تلبيةً لرغبةِ مُواطنيه!

اللاّفت في هذه اللّائحة "المُختصرة"، أنّها جمعت ما بين "أرقى الدول"، وتلك التي يُقال عنها "العالم الثالث أو المُتخلّفة"، لتُثبت أنّ الجريمة واحدة والعقاب واحد لو مهما كانت النصوص القانونيّة مُتعدّدة اللّغات، إذ إنّ الإجراءات القضائيّة تسري على الجميع، فإمّا تظهر البراءة أو تُثبَت الإدانة تطبيقاً لمقولة "المُتهّم" بريء حتّى تثبُت إدانته.


أمّا لبنان، بلد الحريّات، حيث النظام البرلمانيّ الدّيمقراطيّ الذي مَيّز "منارة الشّرق" عن باقي الدّول العربيّة بشكلٍ خاصّ، والسّلطات الثلاث التي وزّع صلاحيّاتها الدّستور اللّبنانيّ بشكلٍ مُفصّل وواضح وصريح، فهو غائبٌ كليّاً عن اللّائحة المُشار إليها، حيث لم تُسجّل حالات مساءلةٍ ومحاسبةٍ قضائيّةٍ جدّيّة، أو تنفيذ للأحكام الصّادرة، باستثناءِ قلّةٍ قليلةٍ، كانت حصّة الأسد فيها لرئيسِ حزبِ "القوّات اللّبنانيّة" الدكتور سمير جعجع الذي كان وما يزال من أبرزِ المُتهمّين الذين صدرت بحقّهم أحكاماً ونفّذت؛ فنال العِقاب القاسي وأُدخلَ السّجن لسنينَ طِوال.

اليوم، يعيشُ البلد حالةً من الغليانِ الشّعبيّ، بعد الكشفِ عن مصيرِ العسكريّين المخطوفين، وما رافقهُ من مواقف سياسيّة ومنها عسكريّة، كشفَت تفاصيل مُهمّة مُرتبطة بهذا الملف منذ بداياتِهِ وحتّى كتابة هذه الأسطر، ما دفع باللّبنانيّين الغاضبين حتّى من "اتّفاقِ" معارك الجرود، وترك الإرهابييّن، إلى المُطالبة بفتحِ تحقيقٍ شاملٍ وشفّافٍ لتفنيدِ الحقائق كاملةً وكشف المُتورّطين ومحاسبة كلّ من شارك أو ساهم أو سهّل في مكانٍ ما بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مُباشرة بما تعرّض له العسكريّين المخطوفين. فهل سيجرؤ العهد الجديد على السّير بهذا الملفّ؟!

حتّى السّاعة، وبحسبِ تركيبة لبنان، فإنّهُ من الصّعبِ أن يُصار إلى فتح تحقيقٍ ومحاسبة مسؤولين أو رؤساء أو سياسييّن وعسكرييّن، على الرغم من أنّ الوقائعَ في التاريخِ القديمِ والحديث أتت مُتناقضةً، ظالمةً وغير عادلةٍ، وتحت أغطيةٍ كثيرة. وهذه بعض الأمثلة والعوامل:

أوّلا: ينصّ الدّستور اللّبنانيّ على الفصلِ بين السّلطات وتوازنها، موزّعاً الصّلاحيّات بشكلٍ دقيقٍ وواضح، إلّا أنّ السّلطة القضائيّة "المُستقلّة" قانوناً هي محكومةٌ على أرض الواقع والسّياسة وحتّى الطّائفة، إذ إنّ غالبيّة الملفّات يُصار إلى "تطييفِها" أي على سبيل المثال، في حال صدر حكمٍ بحقّ سياسيٍّ "سنّيٍّ" نجدُ كيفَ أنّ الطّائفة تتدخّل وتعتبر أنّ السّنّة مُستهدفين وما إلى هنالك ما من شأنِهِ أن يُحرّك أيضاً الشّارع السّنّي سواء كان هذا الشّخص بريئاً أو مُذنباً. والأمر نفسه ينطبقُ على الطّوائف الأخرى من دونِ استثناء، وهذا بحدِّ ذاته يُؤثر كثيراً على سيرِ الملفّات القضائيّة واستقلاليّة القضاء والعدل والعدالة.

ثانياً: التّدخّلات السّياسيّة، وهي العاملُ الأساسُ والأهمّ، ففي هذا الملفّ بالذات، نرى مثلاً كيف أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري "حسم" الموضوع مُعتبراً أنّ رئيس الحكومة السّابق تمّام سلام "أعلى من أن تُصيبَه سهامُ المُتحامِلينَ، كنّا إلى جانبه وسنبقى... ولحد هون وبس". وذلك ردّاً على الاتّهامات التي تطال حكومة سلام في ما خصّ قضيّة العسكرييّن، لتبدأ معها حملات دعمٍ لسلام "الآدمي"، مع العلم أنّ الرئيس تمّام سلام قد يكون بريئاً، وغير مسؤولٍ و"آدمي" ولا ذنبَ له بكلِ ما حصل... ولكن من الطبيعيّ أن يفتح تحقيقاً بما حدث، وأن يدعو الحريري نفسه إلى ذلك، فبما أنّ سلام كان رئيساً للحكومة وقتها فمن المنطقيّ أيضاً أن يُحال إلى التّحقيق وهذا الأمر لا علاقة له بآدميّةِ سلام أو شخصه؛ بل هو من الإجراءات القضائيّة الروتينيّة، ولا يجب أخذها إلى مكانٍ آخر، وتجييش الشّارع سواء مع أو ضدّ، والقضاء في النهاية سيقولُ كلمته "إذا كان مُستقلاً"، والأمر نفسه ينطبقُ على ما يتعرّض له قائد الجيش السّابق جان قهوجي أو وزير الدّفاع أو كلّ شخصٍ وردَ اسمه في هذا الملفّ. وكذلك الأمر بالنسبةِ إلى الأشخاص المُنتمين إلى أحزابٍ معيّنة، إذ يُصار فوراً إلى ربطِ الشقّ القضائيّ بذاكَ الحزبي.

ثالثاً: هناك مخاوف محقّة من إمكانِ أخذِ الملفّ إلى مكانٍ آخر واستغلال قضيّة العسكرييّن ووجع الأهالي للنيلِ من بعض الأشخاص سياسيّاً وانتخابيّاً، كما يحصل في لبنان بكلِّ الملفّات، وهنا الخوف الكبير، ما يُحتّم على القضاء أن يكون نزيهاً ومُستقلّاً، ولكن هل سيكونُ كذلك مع اقترابِ التّشكيلات القضائيّة؟!

رابعاً: وهو المُضحك المُبكي، أنّ الحكومة وإن كانت سابقة، فإنّ المُشاركين فيها من أحزابٍ وقِوَى سياسيّة هُمْ سابقون وحاليّون وربّما لاحقون، وكان لهم الموقع والقرار ومع ذلك سُمِعَت أصواتهم ولم نُشاهد أفعالهم...

في المُقابل، وفي نظرةٍ سريعةٍ على حالاتٍ سابقة، نعلم أنّ هذا الملفّ سيُختمُ بالشّمعِ الأحمر، إلّا إذا حصلت المُعجزة، إذ إنّ الشّخصيّات السّياسيّة أو العامّة والمعروفة التي "طُبِّق" القانونُ فقط عليها، فهي معدودة، نذكرُ جعجع، ميشال سماحة، حسن يعقوب، الضبّاط الأربعة، رفعت عيد، يحيى شمص، وغيرهم "بغضّ النّظر عن الطريقة التي سارَ بها الملفّ، كما أنّ هناك أشخاصاً صدرت بحقّهم أحكاماً ولم تُنفّذ كما يجب، والأمثلة كثيرة كرئيسِ بلديّة عرسال السّابق علي الحجيري الذي يسرحُ ويمرحُ علناً وبين السّياسييّن، عبد المنعم يوسف، وغيرهم الكثير وأسماؤهم موجودة في أدراج المحاكم، من دون أن ننسى أيضاً ما تعرّض له رجل الأعمال الشّيخ بهيج أبو حمزة لفترةٍ طويلة، وكأنّ "القانون" لم يُطبّق إلّا عليه، مع أنّه لم يطبّق حتّى وفق الأصول، فكان ظالماً في قضيّته.

وهناك من جهّة أخرى، أسماء كثيرة، أثيرت ملفّاتها علناً، ونشرت فضائحها قولاً وكتابةً وإعلاماً، من سياسييّن، نوّاب ووزراء، وشخصيّات عسكريّة وسياسيّة وعامّة نافذة، لم يُحرّك فيها القضاء ساكناً على الرغم من وجود أدلّةٍ وإثباتاتٍ وبراهين. حتّى إنّ بعضهم وصل إلى حدّ نشرِ النّعرات الطّائفيّة ومُهاجمة المُؤسّسة العسكريّة ولم يُستدْعَ حتّى إلى التّحقيق مع أنّ القانون واضحٌ بهذا الشّأن. من دون أن ننسى كيف خرج شادي المولوي من السّجن بسيارةِ أحد كِبار السّياسييّن، وكيف دعم عدد منهم، وهم معروفون بالأسماء، أشخاصٌ نفّذوا أعمالاً إرهابيّة في الدّاخل اللّبنانيّ، وكيف جلسَ سياسيين مع أشخاصٍ كان لهم يد في قتلِ وخطفِ العسكريّين وقالوها علناً إنّهم مُستعدّين لقتلِ الجيش... وقبل ذلك أحداث الضّنيّة، ومعركة عبرا التي كما الجرود سرّبت أسماء كثيرة اتّهمت بضلوعِها في المعركة، ولم يُستدعَ أيّ سياسيّ... حتّى في الشقّ الفنّيّ لم يُطبّق القانون كما حصل مُؤخّراً في قضيّة الفنانة أصالة وغيرها.... فالقضاءُ للأسف لا يقول كلمته في كلّ الملفّات سواء السّياسيّة، العسكريّة، الطّبيّة، الفنيّة، الاقتصاديّة، مع أنّ الدّلائل تكون واضحة لا لبسَ فيها.

وفقاً لهذا كلّه، وبعد كلّ هذهِ الأسطر الطويلة، التي يمكن سردُ غيرها في كتابٍ لا مقال، نعلم أنّ ملفّ الجرود سيُختتم بدمّ الشهداء، وسيُدفن معه القضاء والدولة والدستور والقانون، وسيبقى "القرار السياسيّ" الذي "يتّهمه" الجميع، هو "المُجرم المجهول الوحيد"، من دونِ أن نعرف من هو هذا القرار السّياسيّ أي مَن وراءه... وعلى الوطن السّلام. إلّا إذا فعلها العهد..

وإلى أن تحصل الأعجوبة.. يبقى سمير جعجع الشّخص الوحيد الذي خضعَ للقانون الذي طُبِّقَ على دوره ونال عِقابه، فيما بقيَ كلّ المُشاركين في الحرب الأهليّة خارج القضبان، لا بل تولّوا أهمّ المناصب... فهل سنرى "جعجع" ثاني خلف القُضبان؟!
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"سوريا الثورة" تثير البلبلة في البترون! (صور) 9 الحزن يخيم على عائلة الحريري! 5 بو صعب خارج "التيّار" رسميًا! 1
إنتشار عسكري "غربي" في لبنان وحشود إيرانية وروسية وصلت.. عماد رزق: بيروت ستقصف وحرب التحرير بدأت! 10 "رح نحمي بيوتنا" و"الله أكبر سوريا"... غضبٌ عارمٌ وثورة سورية قريباً في البترون! 6 الحقيقة بشأن جريمة باسكال سليمان 2
نائب يتعرض لوعكة صحية! 11 "الرجل الطيب الودود"... الحريري ينعى زوج عمته 7 كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ 3
إشتباك أميركي - سعودي.. البخاري يعلق مشاركته في الخماسية؟ 12 في جونية... سوريّون يسرقون مخزناً للبزورات! 8 إشكال وجرحى في بلدة لبنانية... ما علاقة "الزوجة الثانية"؟! (فيديو) 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر