"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

هل هرب أبو طاقيّة أو الأصح القول "من هرّب أبو طاقيّة"..؟ الرجل المطلوب بمذكّرة توقيفٍ "عسكريّة" صادرة عام 2013 ومعزّزة باعترافاتِ نجله "عُبادة" الذي أُلقيَ القبض عليه مطلع الشهر الجاري اختفى وتبخّر من عرسال واقتُفيَ أَثره وبات مُتوارٍ عن الأنظار وليس هناك من معلومةٍ دقيقةٍ كي نعلم من أين تسرّب هذا الطاقيّة إلى الخارج!

المعلومات المتوافرة لغاية اللّحظة تؤكّد أنّ الشيخ مصطفى الحجيري لَبِسَ طاقية الإخفاء وهرول خارج عرسال دون أن يدري به أحد، أمّا الأسئلة التي يجب طرحها فتحوم حول هل هرب "الحجيري" قبل حراك الجيش اللّبنانيّ نحو منزله أم قبل ذلك؟ وكيف تُفسّر إجراءات الجيش؟ هل هناك من خَدعَ الجيش بسحبِ غطاءٍ سياسيٍّ عن متّهمٍ رئيس بينما كان يُطبخ من تحت الطاولة أداة تهريبه؟ هل وقع الجيش ضحيّة عمليّة تضليلٍ يقف خلفها سياسيّون، أم أنّ الحجيري فرَّ هكذا دون أيّة مقدّمات؟!

المؤكّد إلى الآن وفق مصادر معنيّة، إنّ الحجيري خلال عيد الأضحى المبارك كان يُقيم في منزله المؤلّف من ثلاث طبقات، حتّى إنّه رفع صلاة العيد منه وخطب بالمصلّين في رحابه! ثمّ جاءت تدابير الجيش فاختفى "الشيخ".

نذكر إنّه ما قبل ذلك اليوم كان يُعدّ، وفقاً لما سرّبنا من معلومات حينها، لسيناريو يقضي بإيجاد حلٍّ بين الشيخ الحجيري والسلطة يقضي بإبرام صفقةٍ مسنودةٍ على دوره في المسار التفاوضيّ خلال مباحثات إخراج جبهة النصرة من جرود عرسال، لكنّ أصحاب تلك الدعوة صُدِمُوا بعدما عُرِض فيديو يظهر الدور الخفيّ لـ"الحجيري" في التحريض على الجيش اللّبنانيّ، ما أحدث خللاً في حراكهم ونغّص عليهم خططهم وفسّروا تسريب المشاهد على أنّها "أداة اتّهاميّة" تقف خلافها جهات أمنيّة لا تريد أن يجري تسوية ملفّ "الحجيري" دون عقاب!

يعود بنا هذا الحديث إلى مرحلة اتّخاذ الجيش القرار بإيقاف "أبو طاقيّة" استناداً على ما اعترف به نجله وما سُطِّر بحقّه من مذكرات توقيفٍ سابقةٍ والعيِّنة التي ظهرت في الإعلام والتي تُعتبر "دليلاً جرميّاً واضحاً".

توجّهت عربات الفوجين المجوقل والمكافحة إلى دارة "أبو طاقيّة" وطوّقتها، ثمّ قامت بعمليات بحثٍ عنه لكنّها لم تجده. ذهب الظنّ إلى أنّه متوارٍ في مسجد عرسال الذي سُرِّب أنّه "شهد تغييرات وتعديلات ليصبحَ مقرّ إقامة" لكنّ المعلومات الأمنيّة بعد حين دلّت أنّه "غير موجودٍ في المسجد" ما قاد لفكِّ الطوق عن منزله والاستعاضة عن ذلك بإقامة حواجز روتينيّة داخل البلدة.. لكن أين هو "أبو طاقيّة"؟

غير موجودٍ أيضاً! على ذمّة رئيس بلديّة عرسال "هو متوارٍ" وللدقّة أكثر، يجري تداول أنباء في عرسال أنّه خرج من البلدة إلى مكانٍ مجهول، وهي معلومات تتطابق مع أخرى أمنيّة!

نعود هنا إلى رواية البحث عن مخرجٍ قادهُ أحد السياسيّين لإخراج "أبو طاقيّة" من الملفّات كـ"ردٍّ جميلٍ" على دوره في المفاوضات. وفي ظلّ اختفاء أبو طاقيّة يصلنا الاستنتاج إلى إمكانيّة خروجهِ تحت جنحِ الظلامِ إلى مكانٍ ما خارج عرسال حماهُ من الملاحقاتِ العسكريّة.

يقودنا هذا الحديث إلى أمرٍ من اثنين إمّا أنّ هناك عمليّة إلهاء أوقع الجيش بها وقادت إلى تركيز الاهتمام على نطاقٍ معيّن ما سهّل خروج أبو طاقيّة من البلدة نحو وجهة ما، أو أنّ الدافعون نحو حلّ ملفّ "الشيخ" أخرجوه من البلدة قبل ذلك التاريخ وأوهموا الجيش أنّهم سحبوا الغطاء عنه فذهبت الاليات العسكريّة لاعتقاله ولم تجده!

أمّا الثابت المُؤكّد في كلّ ما تقدّم أنّ "أبو طاقيّة" ضاع واختفى، وفي اختفائه مصلحة لمن غطّاه سياسياً في المرحلة السابقة وهؤلاء ليس لهم مصلحة الآن في أن يجري توقيف أبو طاقيّة قد لا يصرّح بمعلوماتٍ ربّما يجدون حرجاً فيها، أو يقدّم دلائل حول تورّطهم في مشروعٍ سقط بالضربة القاضية.